كتاب موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين

الحديث الرابع:
قال البخاري: (عبد الله بن بريدة بن حصيب الأسلمي قاضي مرو عن أبيه، سمع سمرة وعمران بن الحصين) (¬1) .
ذكرت فيما سبق أن قول البخاري "عن" بدل سمع فيما يرويه صاحب الترجمة عن شيوخه تدل على أن البخاري لم يثبت عنده سماع صاحب الترجمة ممن روى عنه وإلا لقال: "سمع" بدل "عن" (¬2) .
وهنا أشار الإمام البخاري أن عبد الله بن بريدة روى عن أبيه بالعنعنة مما يدل على أن البخاري لم يقف على ما يثبت سماع عبد الله من أبيه، ورغم هذا فقد أخرج البخاري في صحيحه لعبد الله بن بريدة حديثين ليس فيهما ما يثبت السماع أو اللقاء بينهما وهما:
أ - عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: "بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - عليًا إلى خالد ليقبض الخمس ... " (¬3) .
ب - عن ابن بريدة عن أبيه قال: "غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ست عشرة غزوة" (¬4) .
فعلى أي شيء اعتمد البخاري في تصحيحه لهذين الحديثين؟
يبدو أن البخاري أخرج هذين الحديثين لعبد الله بن بريدة عن أبيه مع عدم ثبوت سماع من أبيه لأمرين:
1- أن احتمال سماع عبد الله من أبيه أقوى بكثير من احتمال عدم السماع فقد أدرك عبد الله بن بريدة من حياة والده ما يقارب الثماني والأربعين سنة، فقد ولد عبد الله سنة 15هـ (¬5) ، وتوفي بريدة سنة 63هـ (¬6) ، ثم إن بريدة هو والد
¬_________
(¬1) التاريخ الكبير (5/51) .
(¬2) انظر الباب الثاني، الفصل الأول، المبحث الثاني، القسم الثاني، فقرة رقم (5) .
(¬3) صحيح البخاري (7/664/ [4350] ) ، كتاب المغازي، باب بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن قبل حجة الوداع.
(¬4) صحيح البخاري (7/760/ [4473] ) ، كتاب المغازي، باب كم غزا النبي - صلى الله عليه وسلم -؟.
(¬5) انظر تهذيب التهذيب (5/157-158) ، تقريب التهذيب (ص297) .
(¬6) انظر تهذيب التهذيب (1/433) ، تقريب التهذيب (ص121) .

الصفحة 148