كتاب موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين

بعدم سماع أبي عبد الرحمن من عثمان (¬1) ، وسئل أبوحاتم الرازي عن سماع أبي عبد الرحمن من عثمان فقال: (روى عنه، ولا يذكر سماعًا) (¬2) .
وكلام هؤلاء الأئمة الأعلام يؤكد ما قاله الحافظ ابن حجر في سبب تصحيح الإمام البخاري لهذا الحديث فقد قال: (ظهر لي أن البخاري اعتمد في وصلة، وفي ترجيح لقاء أبي عبد الرحمن لعثمان على ما وقع في رواية شعبة عن سعد بن عبيدة من الزيادة وهي: أن أبا عبد الرحمن أقرأ من زمن عثمان إلى زمن الحجاج، وأن الذي حمله على ذلك هو الحديث المذكور، فدل على أنه سمعه في ذلك الزمان، وإذا سمعه في ذلك الزمان، ولم يوصف بالتدليس، اقتضى ذلك سماعه ممن عنعنه عنه، وهو عثمان رضي الله عنه، ولاسيما مع ما اشتهر بين القراء أنه قرأ على عثمان (¬3) ، وأسندوا ذلك عنه من رواية عاصم بن أبي النجود وغيره، فكان هذا أولى من قول من قال: إنه لم يسمع منه) (¬4) .
ويدل كلام الحافظ ابن حجر هنا على أنه يرجح أن البخاري اعتمد في تصحيح هذا الحديث على قوة القرائن الدالة على احتمال لقاء أبي عبد الرحمن لعثمان رضي الله عنه لا على ثبوت ذلك بنص صريح يدل على السماع أو اللقاء.
وهناك نص كنت أدخلته هنا في هذا الفصل ثم اتضح لي عدم صلاحيته لثبوت السماع فيه، ولكني آثرت ذكره مع التنبيه عليه حتى لا يستدرك علي.
فقد قال البخاري: (لا أعرف لأبي إسحاق سماعًا من سعيد بن جبير) (¬5) .
وقد أخرج البخاري في "صحيحه" عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير قال: (سئل ابن عباس مثل من أنت حين قبض النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: أنا يومئذ
¬_________
(¬1) المراسيل لابن أبي حاتم (ص94) .
(¬2) ورد من طرق لا تسلم من مقال، انظر معرفة القراء الكبار للذهبي (1/52-57) ، والثابت أن أبا عبد الرحمن قرأ القرآن على علي رضي الله عنه.
(¬3) فتح الباري (8/693-694) .
(¬4) العلل الكبير للترمذي (2/965) .
(¬5) صحيح البخاري (11/91/ [6299] ، كتاب الاستئذان، باب الختان بعد الكبر ونتف الإبط.

الصفحة 152