كتاب موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين

عن رجل فقد كفاك أمره فلا تحتاج أن تقول لذلك الرجل سمع ممن حدث عنه؟) (¬1) .
وكما ترى فليس النص يخص من عرف بالتدليس ولكنه عام، فدل هذا على أن منهج شعبة ويحيى بن سعيد هو البحث عن سماع الرواة. وأنهما لم يجعلا الإدراك أو المعاصرة مع إمكانية اللقاء كافيًا للاحتجاج بالحديث المعنعن.
وقد حكى الإجماع على اشتراط اللقاء في الحديث المعنعن ابن عبد البر فقد قال: (اعلم - وفقك الله - أني تأملت أقاويل أئمة أهل الحديث، ونظرت في كتب من اشترط الصحيح في النقل منهم ومن لم يشترطه فوجدتهم أجمعوا على قبول الإسناد المعنعن لا خلاف بينهم في ذلك إذا جمع شروطًا ثلاثة وهي:
1- عدالة المحدثين في أحوالهم.
2- ولقاء بعضهم بعضًا مجالسة ومشاهدة.
3- وأن يكونوا براء من التدليس) (¬2) .
وقال: (وقد أعلمتك أن المتأخرين من أئمة الحديث، والمشترطين في تصنيفهم الصحيح، قد أجمعوا على ما ذكرت لك، وهو قول مالك وعامة أهل العلم) (¬3) .
وقال ابن رجب بعد أن نقل أقوالاً لبعض الأئمة تؤيد مذهب البخاري: (بل اتفاق هؤلاء الأئمة على قولهم هذا يقتضي حكاية إجماع الحفاظ المعتد بهم على هذا القول، وأن القول بخلاف قولهم لا يعرف عن أحد من نظرائهم، ولا عمن قبلهم ممن هو في درجتهم وحفظهم) ، و (ولهذا المعنى تجد في كلام شعبة، ويحيى، وأحمد، وعلي، ومن بعدهم، التعليل بعدم السماع، فيقولون: لم يسمع فلان من فلان، أو لم يصح له سماع منه، ولا يقول أحد منهم قط: لم يعاصره،
¬_________
(¬1) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (2/35) .
(¬2) التمهيد (1/12) ، وقد قال ابن الصلاح: (كاد أبوعمر بن عبد البر الحافظ أن يدعي إجماع أئمة الحديث على ذلك) . فرد عليه العراقي: (ولا حاجة إلى قوله كاد فقد أدعاه) انظر التقييد والإيضاح (ص83) .
(¬3) التمهيد (1/13) .

الصفحة 163