كتاب موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين
وتدل عبارة "وساق الحديث" أن مسلمًا اختصر الحديث وذلك لأنه ساقه متابعة وأخرج قبله من طريق مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول: (قال أبوطلحة لأم سليم: قد سمعت صوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضعيفًا أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟ فقالت: نعم ... الحديث) (¬1) وساقه بأطول مما في حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى السابق.
وقد أخرج مسلم (¬2) هذا الحديث أيضًا من طريق سعد بن سعيد حدثني أنس بن مالك، ومن طريق يحى بن عمارة المازني، ومن طريق عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة، ومن طريق عمرو بن عبد الله بن أبي طلحة، ومن طريق النضر بن أنس، ومن طريق يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنسًا، جميع هؤلاء الستة رووه عن أنس. فيكون رواه عن أنس سبعة من الثقات غير ابن أبي ليلى، وهذا في صحيح مسلم فقط، منهم ثلاثة صرحوا بأنهم سمعوا الحديث من أنس.
وذكر المعلمي أن رواية ابن أبي ليلى عن أنس أخرجها مسلم متابعة (¬3) .
ومن الواضح أن الحديث صحيح عن أنس بلاشك، فيكون استشهاد مسلم بهذا السند على ما ذكره من تصحيح أهل العلم بالحديث له استشهادًا ضعيفًا لأن المخالف لمسلم له أن يقول: حديث أنس صحيح عندي من غير طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى فإذا كنت تحتج بحديث أنس من طريق ابن أبي ليلى فأنا أحتج به أيضًا ولكن من الطرق الأخرى التي ثبت فيها السماع، وهذا ما صنعه البخاري فقد احتج في "صحيحه" (¬4) برواية إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك، ولو فرض أن حديث ابن أبي ليلى لم يرو أصلاً لما كان لذلك أي أثر على صحة حديث أنس.
¬_________
(¬1) صحيح مسلم (3/1612) .
(¬2) انظر صحيح مسلم (3/1612-1614) .
(¬3) انظر الأحاديث التي استشهد بها مسلم (ل4) .
(¬4) انظر صحيح البخاري (6/678/ [3578] ) كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام.