كتاب موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين
احتمال عدم السماع فيها لا يصلح أن يكون سببًا لعلتها لكون الحديث صحيحًا ومحفوظًا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غير تلك الطريق، فمن قبل مثلاً حديث أبي رافع الصائغ عن أبي بن كعب مع عدم وجود دليل على سماعه من أبي رضي الله عنه فقد قبل حديثًا صحيحًا لأن أبا رافع ثقة من كبار التابعين، ولم يرو عن أبي رضي الله عنه إلا حديثًا واحدًا - كما قال مسلم -، وهذا الحديث ثابت محفوظ عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم -.
فالعلماء الذين صححوا تلك الأسانيد ولم يوهنوها، رغم عدم وجود دليل على السماع فيها بين التابعي والصحابي لا يستبعد أن يكونوا فعلوا ذلك لأن أصول الأحاديث المروية بتلك الأسانيد لها شواهد قوية ولأن جميع رواة تلك الأسانيد من التابعين الثقات الأثبات فليس فيهم من تكلم فيه بقدح، كما وأن بعض تلك الأحاديث ليست من أحاديث الأحكام.
وقد ذكر الإمام مسلم في "صحيحه" أحاديث لبعض الضعفاء، إذا كان أصل الحديث الذي رووه معروفًا من رواية الثقات (¬1) ، فهو لم يحتج بهؤلاء الضعفاء استقلالاً، وإنما لأن ما رووه محفوظ ومعروف من رواية الثقات.
وهذا الإمام البخاري وهو ممن يشترط اللقاء في السند المعنعن يقوي حديث سليمان بن بريدة عن أبيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مواقيت الصلاة (¬2) ، مع قوله: (سليمان لم يذكر سماعًا من أبيه) (¬3) ، وذلك لأن لحديث سليمان بن بريدة هذا شواهد قوية تدل على أن أصل الحديث ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فتقوية الأحاديث التي فيها بعض النظر بالشواهد القوية منهج سار عليه أئمة
¬_________
(¬1) انظر كتاب الضعفاء لأبي زرعة الرازي وأجوبته على أسئلة البرذعي (2/676) والقصة مشهورة في اعتذار مسلم من انتقاد أبي زرعة له لإخراجه في "صحيحه" عن بعض الضعفاء.
(¬2) العلل الكبير للترمذي (1/203) .
(¬3) التاريخ الكبير (4/4) .