كتاب موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين

وهذا هو الراجح أن حديث سليمان عن أبيه متصل للقرائن السابقة، بل - أظن - أن تلك القرائن أقوى في إثبات الاتصال من مجرد ثبوت اللقاء أو السماع لمرة واحدة كما هو الحد الأدنى عند البخاري في الاحتجاج بالسند المعنعن، وتحسين البخاري لحديث سليمان عن أبيه في المواقيت يدل على أنه لم يهمل القرائن السابقة.
رابعًا: قال البخاري في عبد الله بن معبد الزماني: (ولا نعرف سماعه من أبي قتادة) (¬1) . وقال في موضع آخر: (ورواه عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صوم عاشوراء، ولم يذكر سماعًا من أبي قتادة) (¬2) .
وقد أخرج مسلم من طريق شعبة عن غيلان بن جرير سمع عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، سئل عن صومه؟ فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال عمر رضي الله عنه: (رضينا بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولاً، وببيعتنا بيعة. قال فسئل عن صيام الدهر؟ فقال: "لا صام ولا أفطر (أو ما صام ما أفطر) " قال: فسئل عن صوم يومين وإفطار يوم؟ قال: "ومن يطق ذلك" قال: وسئل عن صوم يوم وإفطار يومين؟ قال: "ليت أن الله قوانا لذلك". قال: وسئل عن صوم يوم عرفة؟ فقال: "يكفر السنة الماضية والباقية" قال: وسئل عن صوم يوم عاشوراء فقال: "يكفر السنة الماضية".
وفي هذا الحديث من رواية شعبة قال: وسئل عن صوم يوم الاثنين والخميس؟ فسكتنا عن ذكر الخميس لما نراه وهمًا) (¬3) .
وقد روي حديث أبي قتادة هذا من طريق آخر فيه اضطراب شديد (¬4) جعل الدارقطني بعد أن ذكر الاختلاف فيه يقول: (هو مضطرب ولا أحكم فيه
¬_________
(¬1) التاريخ الكبير (5/198) ، (3/68) .
(¬2) التاريخ الصغير (1/302) .
(¬3) صحيح مسلم (2/819) .
(¬4) انظر التاريخ الكبير (3/67-68) ، والسنن الكبرى للنسائي (2/150-152) ، والعلل للدارقطني (6/148-153) .

الصفحة 456