كتاب موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين

بالفلاة معه البعير ليس له خِطام) (¬1) غير أن أبا عمر بن عبد البر ذكر أن شعبة قد رجع عن هذا القول (¬2) .
واحتج أصحاب هذا القول علىمذهبهم: بأن الحديث إذا (لم يقل حدثنا فلان أن فلاناً حدثه، ولا ما يقوم به مقام هذا من الألفاظ، أُحتمل أن يكون بين فلان الذي حدثه وبين فلان الثاني رجل آخر لم يُسمه، لأنه ليس بمنكر أن يقول قائل: حُدِّثنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بكذا وكذا، وفلان حدثنا عن مالك والشافعي، وسواء قيل ذلك فيمن عُلِم أن المخاطب لم يره أو فيمن لم يُعلم ذلك منه، لأن معنى قوله "عن"، إنما هو أن ردّ الحديث إليه، وهذا سائغ في اللغة، مستعمل بين الناس) (¬3) .
فعمدتهم فيما ذهبوا إليه هو الاحتياط لأن " عن" لا تقتضي الاتصال، ولأنه قد عُرِف أن المحدثين من الرواة يأتون بها في موضع الإرسال والانقطاع (¬4) .
وقد رد العلماء هذا المذهب فقال النووي (وهذا المذهب مردود باجماع السلف) (¬5) وقال ابن رُشيد: (هذا المذهب رفضه جمهور المحدثين بل جميعهم) (¬6) وقال: (ولو اشترط ذلك لضاق الأمر جداً، ولم يتحصل من السُنة إلا النزر اليسير) (¬7) .
الثاني: وهو مذهب من يقول: يشترط في الاحتجاج بالسند المعنعن طول الصحبة بين الراوي ومن يروي عنه (¬8) مع السلامة من التدليس (¬9) .
¬_________
(¬1) كتاب المجروحين والضعفاء لابن حبان (1/27) .
(¬2) التمهيد (1/13) .
(¬3) المحدث الفاصل (ص450) .
(¬4) السنن الأبين (ص22) .
(¬5) شرح صحيح مسلم (1/128) .
(¬6) السنن الأبين (ص23) .
(¬7) السنن الأبين (ص25) .
(¬8) علوم الحديث لابن الصلاح (ص60) وجامع التحصيل للعلائي (ص116) .
(¬9) السنن الأبين (ص31) وجامع التحصيل (ص116) .

الصفحة 46