كتاب موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين

وهذا هو مذهب أبي المظفر بن السمعاني (¬1) لم يُحكَ عن غيره (¬2) وحجة هذا المذهب (أن طول الصحبة يتضمن غالباً السماع لحمله ماعند المحدث أو أكثره فتحمل "عن" على الغالب، وإن كانت محتملة للإرسال) (¬3) ، وزاد ابن رُشيد الأمر بياناً بقوله: (وحجة هذا المذهب هي الأولى بعينها ـ أي حجة المذهب الأول ـ ولكنه خفّف في اشتراط السماع تنصيصاً في كل حديث لتعذر ذلك، ولوجود القرائن المفهمة للاتصال. من إيراد الإسناد وإرادة الرفع بعضهم عن بعض عند قولهم (فلان عن فلان) مع طول الصحبة) (¬4) .
وهذا المذهب أيضاً فيه تشدد لا يخفى، وتعنت لا موجب له، وهل يمكن أن تُثبت طول الصحبة في كل الأسانيد التي صححها كبار الأئمة النقاد؟ , ومن دلائل وهن هذا المذهب أنه حادث في القرن الخامس الهجري بعد أن استقر عمل المحدثين على قبول السند إذا جمع شروطاً ثلاثة هي:
1 ـ عدالة المحدثين.
2 ـ لقاء بعضهم بعضاً مجالسة ومشاهدة.
3 ـ البراءة من التدليس (¬5) .
ولهذا قال ابن رُشيد: (وهو أيضاً من مذاهب أهل التشديد) (¬6) .
¬_________
(¬1) هو أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد التميمي، السمعاني، المروزي، الحنفي ثم الشافعي، ولد سنة ست وعشرين وأربع مائة، وتوفي سنة تسع وثمانين وأربع مائة، له مصنفات فيها، التفسير، وكتاب "القواطع" في أصول الفقه، وكتاب " الاصطلام" وكتاب "البرهان" وغيرها.
انظر تذكرة الحفاظ الذهبي (4/1227) وسير أعلام النبلاء (19/114) والأنساب لأبي سعد السمعاني (3/299) .
(¬2) انظر علوم الحديث (ص60) وجامع التحصيل (ص116) والسنن الأبين (ص31) . وفتح المغيث للسخاوي (1/166) .
(¬3) جامع التحصيل (ص116) .
(¬4) السنن الأبين (ص31) .
(¬5) التمهيد لابن عبد البر (1/21) .
(¬6) السنن الأبين (ص30) .

الصفحة 47