كتاب موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين

بيناً" طول الصحبة كما هو مذهب أبي المظفر بن السمعاني؟ أم أنهما قصدا تحقق اللقاء بدليل يقيني؟ أم أنهما قصدا العلم بالمعاصرة؟ .
وعندما تأملتُ ذلك وجدت أن قول أبي الحسن القابسي ثابت عنه ولم يقع اختلاف عليه في حكايةمذهبه، فقد ذكر ابن رُشيد قول القابسي بقوله (وقال الفقيه المحدث أبو الحسن القابسي: "وكذلك ما قالوا فيه: (عن، عن) ، فهو أيضاً من المتصل إذا عُرف أن ناقله أدرك المنقول عنه إدراكاً بيناً، ولم يكن ممن عُرف بالتدليس) (¬1) فقوله هذا يحتمل أحد الأمرين:
1 ـ أن يكون قصد بقوله "الإدراك البين" ثبوت المعاصرة البينة، وإلى هذا مال ابن رشيد (¬2) .
2 ـ أن يكون قصده مطلق اللقاء كما هو مذهب الإمام البخاري، وهذاهو الذي أميل إليه ولكن لا أقطع به، فقد ألمح السخاوي إلى هذا الاحتمال بقوله: (قد يحتمل الكناية بذلك عن اللقاء) (¬3) ويُفهم من صنيع العلائي (¬4) أنه يُرجح هذا الاحتمال، إذ ذكر قول القابسي ضمن مذهب ابن المديني والبخاري، ولعل مما يقوي هذا الاحتمال أيضاً زيادة كلمة " بيّناً " فلو كان أراد العلم بالمعاصرة لكانت كلمة " أدرك " كافية في الدلالة على مقصودها ذاك.
وأما قول أبي عمرو الداني المقرئ فقد وقع اختلاف في نقل عبارته حول هذا الموضوع فبينما نقل ابن الصلاح عنه أنه قال: (أن يكون معروفاً بالرواية عنه) ، نجد أن ابن رُشيد نقل قوله في موضعين ليس فيهما نص العبارة التي نقلها ابن الصلاح، قال ابن رشيد: (وقال الحافظ أبو عمرو المقرئ: " وما كان من الأحاديث العنعنة التي يقول فيها ناقلوها: (عن، عن) فهي ايضاً مسندة متصلة بإجماع أهل النقل، إذا عُرف أن الناقل أدرك المنقول عنه إدراكاً بيناً، ولم يكن ممن عرف بالتدليس، وإن لم يذكر سماعاً") (¬5) .
¬_________
(¬1) السنن الأبين (ص35) ، (ص42) .
(¬2) فتح المغيث (1/166) .
(¬3) جامع التحصيل (ص116 ـ 117)
(¬4) السنن الأبين (ص30) .
(¬5) السنن الأبين (36) .

الصفحة 49