كتاب موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين

وهذا شبيه بكلام القابسي السابق، والموضع الثاني الذي نقل فيه ابن رُشيد قول أبي عمرو المقرئ هو ما جاء في قوله: (قال أبو عمرو المقرئ الداني في جُزيء له وضعه في "بيان المتصل والمرسل والموقوف والمنقطع": "المسند من الآثار الذي لا إشكال في اتصاله: هو ما يرويه المحدث عن شيخ يظهر سماعه منه بسن يحتملها، وكذلك شيخه عن شيخه إلى أن يصل الإسناد إلى الصحابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1) .
وتعريف المسند هو في حقيقة الأمر ليس لأبي عمرو المقرئ بل هو للحاكم أبي عبد الله ذكره في كتابه "معرفة علوم الحديث" (¬2) والذي يتحصل من هذين النصين أنه ليس لأبي عمرو المقرئ رأي مستقل، أو مذهب مغاير للآخرين، فالنص الأول في حقيقة الأمر هو من كلام أبي الحسن القابسي الذي هو أكبر سناً وأقدم وفاة منه، وقد أوضحتُ آنفاً الترجيح الذي أميل إليه في فهم كلام القابسي، والنص الثاني كما رأينا هو ايضاً لأبي عبد الله الحاكم المتوفي سنة (405هـ) وهو أكبر سناً وأقدم وفاة من أبي عمرو المقرئ.
ولكن إن كان أبو عمرو بن الصلاح لم يتصرف في عبارة أبي عمرو المقرئ، فإن العبارة تحتمل الأمور التي ذكرتُها سابقاً، ولا تقتضي المعرفة بالرواية عن المنقول عنه السماع، فهذا سعيد بن المسيب كان يسمى " راوية عمر" والنقاد مختلفون في سماعه من عمر، فالبعض ينفيه، والبعض يثبت سماعه من عمر في قليلٍ مما يرويه لا في كل ما يحدث به عنه (¬3) .
وكذلك سليمان بن بُريدة معروف بالرواية عن أبيه، ورغم ذلك فإن البخاري لم يثبت سماع سليمان من أبيه، وقال في ذلك: (ولم يذكر سليمان سماعاً من أبيه) (¬4) .
وصفوة القول: أن قول أبي عمرو المقرئ: (أن يكون معروفاً بالرواية
¬_________
(¬1) معرفة علوم الحديث (ص17) .
(¬2) تُراجع ترجمة سعيد بن المسيب في تهذيب التهذيب (4/84 ـ 88) .
(¬3) التاريخ الكبير (4/4) .
(¬4) صيانة صحيح مسلم (ص129) وعلوم الحديث (ص60) .

الصفحة 50