كتاب موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين

مر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي، فجعله مرسلاً من حيث كونه قال: " أن عماراً فعل" ولم يقل " عن عمار"، والله أعلم) (¬1) .
ولكن العراقي خالف ابن الصلاح فيما ذهب إليه من نسبة هذا المذهب إلى الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة، فقال: (وما حكاه المصنف ـ يعني ابن الصلاح ـ عن أحمد بن حنبل وعن يعقوب بن شيبة من تفرقتهما بين "عن" و "أن" ليس الأمر فيه على مافهمه من كلامهما، ولم يفرق أحمد ويعقوب بين " عن" و "أن" لصيغة "أن" ولكن لمعنى آخر) (¬2) .
وسيأتي بيان مذهب الإمام أحمد بن حنبل في المذهب الثالث.
3 ـ أن صيغة الأداء "أنَّ" لها حالتان.
أـ إذا قالها الراوي في سند (وكان خبرها قولاً لم يتعد لمن لم يدركه (¬3) التحقت بحكم " عن" بلا خلاف. كأن يقول التابعي: إن أبا هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت كذا، فهو نظير ما لو قال: عن أبي هريرة أنه قال: سمعتُ كذا) (¬4) .
ب ـ إذا جاءت في سند، (وكان خبرها فعلاً، نُظر إن كان الراوي أدرك ذلك التحقت بحكم " عن"، وإن كان لم يدركه لم تلتحق بحكمها.
فقول يعقوب بن شيبة في رواية عطاء عن ابن الحنفية: أن عماراً مر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - هذا مرسل. إنما هو من جهة كونه أضاف إلى الصيغة الفعل الذي لم يدركه ابن الحنفية، وهو مرور عمار.
إذ لا فرق أن يقول ابن الحنفية: أن عماراً مر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بعمار، فكلاهما سواء في ظهور الإرسال. ولو كان أضاف إليها ـ أي الصيغة
¬_________
(¬1) علوم الحديث (ص58) .
(¬2) التقييد والإيضاح (ص85) .
(¬3) قوله "لم يتعد لمن لم يدركه " يعني: أن لا يكون في خبر " أن " الذي هو قول وليس بفعل؛ ذكرٌ لأحدٍ لم يدركه الراوي، فإذا لم يكن في خبرها القولي إلا من عُلم بأن الراوي أدركه حُكم بأنها تلحق"عن" في الحكم.
(¬4) النكت على كتاب ابن الصلاح (2/591) .

الصفحة 56