كتاب موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين

"أن" ـ القول كأن يقول: عن ابن الحنفية أن عماراً قال: مررت بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لكان ظاهر الاتصال) (¬1) .
وقد قال الحافظ زين الدين العراقي مُبيناً هذا المذهب المبني على التفصيل: (وجملة القول فيه أن الراوي إذا روى قصة، أو واقعة، فإن كان أدرك ما رواه بأن حكى قصة وقعت بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين بعض أصحابه، والراوي لذلك صحابي قد أدرك تلك الواقعة حكمنا لها بالاتصال، وإن لم نعلم أن الصحابي شهد تلك القصة، وإن علمنا أنه لم يدرك الواقعة فهو مرسل صحابي، وإن كان الراوي كذلك تابعياً كمحمد بن الحنفية مثلاً فهي منقطعة.
وإن روى التابعي عن الصحابي قصة أدرك وقوعها كان متصلاً، ولو لم يصرح بما يقتضي الاتصال وأسندها إلى الصحابي بلفظ: "أن فلاناً قال " أو بلفظ " قال قال فلان" فهي متصلة أيضاً ... بشرط سلامة التابعي من التدليس، وإن لم يدركها ولا أسند حكايتها إلى الصحابي فهي منقطعة) (¬2) .
وقد سئل الإمام أحمد فقيل له: (إن رجلاً قال: عروة أن عائشة قالت: يارسول الله، وعن عروة عن عائشة سواء. فقال: كيف هو سواء؟ ليس هو بسواء) (¬3) .
قال العراقي موجهاً كلام الإمام أحمد: (وإنما فرَّق بين اللفظين لأن عروة في اللفظ الأول لم يسند ذلك إلى عائشة، ولا أدرك القصة، وإلا فلو قال عروة: إن عائشة قالت: قلت: يارسول الله، لكان ذلك متصلاً لأنه أسند ذلك إليها، وأما
¬_________
(¬1) النكت على كتاب ابن الصلاح (2/592) وإنما ذكرت كلام الحافظ ابن حجر في التعريف بين حالتي ورود صيغة "أن" مع كونه مسبوقاً بهذا، إذ نصّ ابنُ رجب في شرح علل الترمذي (1/377 ـ 382) على ذلك، وأيضاً شيخُ ابن حجر زينُ الدين العراقي نص على ذلك في كتابه "التقييد والإيضاح" (ص85 ـ 86) أقول: إنما آثرتُ كلام ابن حجر على كلام من سبقه لأن عباراته هنا كانت محررة ودقيقة في تصوير الفرق.
(¬2) التقييد والإيضاح (ص86) .
(¬3) مسائل الإمام أحمد لأبي داود (ص312) ووقع فيه خطأ فعدلته من الكفاية (ص447) والتقييد والإيضاح (ص85) .

الصفحة 57