كتاب موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين

وذكر ابن رجب أن لهذه الصيغة ثلاثة أحوال:
(أحدثها: أن يكون القائل لذلك ممن يُعلم منه عدم التدليس، فتكون روايته مقبولة محتجاً بها، كهمام، وحماد بن زيد، وحجاج بن محمد، وغيرهم.
قال همام: "ماقلت: قال قتادة فأنا سمعته من قتادة " وقال حماد بن زيد: "إني أكره إذا كنت لم أسمع من أيوب حديثاً أن أقول: قال أيوب كذا وكذا فيُظن أني قد سمعته " وقال شعبة ""لأن أزني أحب إلي من أن أقول؛ قال فلان، ولم أسمعه منه " وكذلك حجاج بن محمد كان إذا قال: " قال ابن جريج: فقد سمعه.
والحال الثاني: أن يكون القائل لذلك معروفاً بالتدليس: فحكم قوله قال فلان، حكم قوله: عن فلان: كما سبق، وبعضهم كانت هذه عادته كابن جريج، قال أحمد: " كل شيء قال ابن جريج: قال عطاء، أو عن عطاء، فإنه لم يسمعه " وقال أيضاً: " إذا قال ابن إسحاق: وذكر فلان، فلم يسمعه منه ".
الحال الثالث: أن يكون حاله مجهولاً. فهل يحمل على الاتصال أم لا؟
قد ذكر الفقهاء من أصحابنا، وأصحاب الشافعي خلافاً في الصحابي إذا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل يحمل على السماع أم لا؟ وأن الأصح حمله على السماع.
وحكى ابن عبد البر عن الجمهور من العلماء أن من روى عمن صح له لقيه والسماع منه، وقال: " قال فلان" حمل على الاتصال. بل كلامه يدل على أنه إجماع منهم) (¬1) .
لاريب أن الحالتين الأولى والثانية ـ اللتين ذكرهما ابن رجب ـ ليستا محل خلاف عند أحدٍ من نقاد أهل الحديث، ويتوجه النظر إلى الحالة الثالثة ـ والتي لم يُزِل ابن رجب عنها الغموض ـ في غير ما رواه الصحابة، إذ مرسل الصحابي محكوم باتصاله عند الجمهور، والذي جرى عليه عمل المحدثين هو قبول مرسل الصحابي، فإذا روى رجل فقال: " قال فلان" ولا يُعرف هل لقي من يروي عنه أم لا، ولم يتهم بتدليس، فهل يحكم باتصال حديثه؟
¬_________
(¬1) شرح علل الترمذي (1/376 ـ 377) .

الصفحة 63