كتاب موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين

فأثبت أبو أيوب الغيلاني: أن كلمة "عن" متعلقة بقول أبي الزبير، فهو قائلها.
3 ـ قال الذهبي: (فإذا قال الوليد أو بقية: عن الأوزاعي، فواهٍ، فإنهما يدلسان كثيراً عن الهلكى) (¬1) .
فنسب الذهبي إلى الوليد وبقية كلمة "عن" على أنهما قد قالاها.
4 ـ قال النسائي في شأن بقية بن الوليد: (إذا قال: حدثنا، وأخبرنا، فهو ثقة وإذا قال: عن فلان، فلا يؤخذ عنه، لأنه لا يُدرى عمن أخذه) (¬2) .
وهنا جعل النسائي قائل كلمة "عن" هو بقية فأضافها إليه، وبقية بن الوليد، والوليد بن مسلم مشهوران بالتدليس (¬3) ومعروفان به.
ولاشك في أن ما ذهب إليه المعلمي، مذهب قوي ومتين، والملاحظة التي أبديتها تقتصر فقط على جانب التعميم الذي يفهم من كلامه، فإذا تقرر أن بعض الرواة يُبدِّلون الصيغة " عن" بصيغ الأداء الدالة على السماع أو المحتملة له، وأنه ليست كل كلمة "عن" في السند هي من تصرف رواة السند بل قد تكون من الشيخ يبتدئ بها مجلسه فيحملها الرواة عنه دون تصرف منهم.
إذا تقرر ذلك تتضح لنا أهمية هذا المبحث إذ يكون من المحتمل في الأسانيد المعنعنة التي لم يثبت فيها لقاء أو سماع، أن الراوي قد قال في حديثه عن شيخه: " حدثني" أو " حدثنا" أو "سمعت" أو "أخبرنا" ونحو ذلك ولكن التلميذ أو أحد رواة السند طلباً للتخفف اختصر وقال: "عن" عوضاً عن "حدثني" أو "سمعت" ومن المحتمل أيضاً أن الراوي قد قال: " ذكر فلان" أو "قال فلان" إلا أن التلميذ أو أحد رواة السند قال: "عن".
فقد يكون السماع ثابتاً، ولكن السند المنقول ليس فيه غلا العنعنة دون لفظ السماع، وهذا الاحتمال يكون قائماً في الأسانيد المعنعنة التي لم يثبت لقاء بعض
¬_________
(¬1) الموقظة (ص46) .
(¬2) تهذيب التهذيب (1/475) .
(¬3) ذكرهما الحافظ ابن حجر في الطبقة الرابعة من طبقات المدلسين، انظر تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس (ص121، 134) .

الصفحة 69