كتاب موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين

عنهم لم يقف عليه البخاري أو لم يثبت عنده، وهذه الأدلة كما يلي:
1- ن البخاري يذكر كلمة "سمع" في التراجم بين اسم صاحب الترجمة، وأسماء من روى عنهم، وهذا نراه بكثرة - في التاريخ الكبير على وجه الخصوص -، مما يدعونا إذا رأينا كلمة "عن" محل كلمة "سمع" أن نتساءل: لماذا لم يقل "سمع"؟ لا سيما وأن بين الكلمتين مغايرة وتباين جليلاً فكلمة "سمع" تدل على ثبوت السماع، والأخرى لا تدل على السماع، والبخاري - كما لا يخفى - عظيم الاهتمام والحرص في إيضاح هذه المسألة والحكم بها؛ فيكون من المترجح أنه عندما يذكر كلمة "عن" محل كلمة "سمع" قد أراد أن الأولى غير الثانية في إثبات السماع.
وهذا مما يتفق مع المنهج العام للبخاري في مصنفاته التي تتميز بالعبارات الدقيقة جداً، يقول الشيخ المعلمي: (للبخاري - رحمه الله - ولوع بالاجتزاء بالتلويح عن التصريح، كما جرى عليه في مواضع من جامعة الصحيح حرصاً منه على رياضة الطالب، واجتذاباً له إلى التنبه والتيقظ والتفهم) (¬1) .
2- وقفت على بعض التراجم في التاريخ الكبير - على وجه الخصوص - يقول البخراي في نفس الترجمة: "فلان سمع فلاناً وفلاناً، وعن فلان وفلان"، مما يزيدنا يقيناً أن بين العبارتين فرقاً في الدلالة عند البخاري.
فمن ذلك قوله: (حصين بن قبيصة الفزاري، سمع علياً وعن عبد الله) (¬2) .
وقوله: (خليد بن دعلج، سمع الحسن وعن ابن سيرين، وسمع عطاء وقتادة) (¬3) .
وقوله: (عبد الله بن نيار بن مكرم الأسلمي، سمع أباه وعن عروة) (¬4) .
وقوله: (عبد الله بن سخبرة الأزدي، ويقال الأسدي أسد شنوءة، وأبو معمر
¬_________
(¬1) مقدمة المحقق من كتاب "الموضح لأوهام الجمع والتفريق" للخطيب البغدادي (1/14) .
(¬2) التاريخ الكبير (3/5) .
(¬3) التاريخ الكبير 3/199) .
(¬4) التاريخ الكبير (5/214) .

الصفحة 98