كتاب فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء: 59] . فبان من منطوق الآية فرضية الرد إلى كتاب الله وسنة رسوله بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وبان من مفهوم الآية عدم إيمان مَنْ لَمْ يَرِدِ الأمر عند التنازع إلى كتاب الله وسنة رسوله، فإذا وُزِنَ الأمر المُنَازَعُ فيه بميزان الوحيين، فما وافقهما فهو القِسْطُ الذي أمر الله به، وهو الحق، وما خالفهما فهو الباطل، والضلال، قال تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ} [يونس: 32] .
ولَمَّا غفل أكثر الناس عن كتابه، وسنة رسوله، وتدبر ما فيهما من الحِكَم والمعاني،، ولم يتبعوهما كما هما، بل ونَقَصُوا، وغَيَّروا، وبَدَّلُوا، وقَدَّمُوا، وأَخَّرُوا، ومضى على ذلك سنين عديدة، ومدة مديدة، واعتادوا عليه وأباً وجداًّ، فحينئذ صعب عليهم الالتفات إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لما ذُكِّروا بهما، وحُضُّوا على الرجوع إليهما عند التنازع لما رأوا من غربة ما في الكتاب والسنة لما بينهم؛ لمخالفتهم الكتاب والسنة في أكثر الأمور قصداً وفعلاً وقولاً، وذلك مصداق قول الرسول الصادق المصدوق "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء قيل: من الغرباء؟ قال: الذين يصلحون ما أفسد الناس" 1. وقال صلى الله عليه وسلم: "يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا اسمه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدي، علمائهم شر من تحت أديم السماء، منهم تخرج الفتنة وفيهم تعود". الحديث رواه علي بن أبي طالب رضي الله
__________
1 أخرجه مسلم (145) إلى قوله: فطوبى للغرباء. رواه أحمد (4/73) بتمامه من حديث عبد الرحمن بن حسنة.

الصفحة 11