كتاب فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد

المشاهد من تعذيب طلاب الدنيا ومحبيها ومؤثريها على الآخرة، بالحرص على تحصيلها والتعب العظيم في جمعها، ومقاساة أنواع المشاق كما قال بعض السلف: من أحب الدنيا فليوطن نفسه على تحمل المصائب، ومحبها لا ينفك من ثلاث: هَمٌّ لازم، وتَعَبٌ، وحسرة لا تنقضي، وذلك أن محبها لا ينال منها شيئاً إلا طمحت نفسه إلى ما هو فوقه كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى لها ثالثاً" 1. فطالبها لا تستريح نفسه من التعب كلما اطمأن منها إلى سرور أشخصته إلى مكروه، سرورها مشوب بالحزن، أمانيها كاذبة، وآمالها باطلة، وصفوها إلى كدور، وعيشها نكد كما قيل:
فما في الأرض أشقى من محب ... وإن وجد الهوى حلو المذاق
تراه باكياً في كل حال ... مخافة فرقة أو اشتياق
فيبكي إن نأى شوقاً إليه ... ويبكي إن دنا حذر الفراق
فتسخن عينه عند التلاقي ... وتسخن عينه عند الفراق
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره: "الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه" 2.
الحاصل أن مؤثر الدنيا على الآخرة في شقاء وعناء لا يكاد يوصف في الدنيا وفي الآخرة في عذاب مقيم.
قال ابن القيم رحمه الله: وقد دل العقل، والنقل، والفطر
__________
1 رواه مسلم (1048) من حديث أنس.
2 رواه الترمذي (2322) من حديث أبي هريرة وفي سنده عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، صدوق يخطىء، ورمي بالقدر، وتغير بأخره، كما في "التقريب" وقال الترمذي: حسن غريب.

الصفحة 110