كتاب فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد

عنه1، كيف لا وقد آن في هذا الزمان {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} . [المائدة: 104] .فجعلوا حجة صحة ما هم عليه من مخالفة الكتاب والسنة فعل آبائهم ولو طلب منهم برهاناً أو حجة لم يأتوا بغير هذا، كما قال تعالى: {أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُون} . [الزخرف: 22] . وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} . [الزخرف: 23] . يخبر تعالى رسوله ويسليه أن كل قوم قالوا لنبيهم هذا المقال، فلا تعجب من قومك في هذا ولكن العجب كل العجب من ناس يدعون الإيمان بالله والكتاب واليوم الآخر وهم كاذبون، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} . [البقرة: 9] . وذلك لأنهم لو كانوا صادقين في الإيمان لقدموا أمر الله ورسوله على غيرهما، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} . [الحجرات: 1] .
قال البيضاوي وغيره من المفسرون: المعنى: لا تقطعوا أمراً قبل أن يحكما به، فإذا كان هذا أمر الله، فكيف يتصور ويسوغ التشريع بما لم يأذن به الله ورسوله؟ وقد قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ
__________
1أخرجه الديلمي في " مسنده" (1/107) بإسناد ضعيف جداً. وانظر "السلسلة الضعيفة" للألباني (1936) .

الصفحة 12