كتاب فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد

وقال البيضاوي: "الله أصله إله فحذفت الهمزة وعوّض عنها الألف واللام، وقيل: يا الله بالقطع إلا أنه مختص بالمعبود بالحق والإله يقع على معبود ثم غلب على المعبود بالحق، واشتقاقه من أله يأله ألوهة وألوهية بمعنى عبد، وقيل: من إله إذا تحير، إذ العقول تتحير في معرفته أو من ألهت إلى فلان أي سكنت إليه؛ لأن القلوب تطمئن إلى ذكره، والأرواح تسكن إلى معرفته، أو من أله الفصيل إذا ولع بأمه إذ العباد مولعون بالتضرع إليه في الشدائد، وقيل: علم لذاته المخصوصة لأنه يوصف ولا يوصف به".
وقال البيضاوي: وفي قوله تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} . [المؤمنون: 117] . أي يعبده إفراداً أو إشراكاً"1 فسمى المعبود إلهاً وإله بمعنى المألوه ككتاب بمعنى المكتوب، فكل ما تألهه القلوب فهو إله، وعليه يدل حديث أبي واقد الليثي أنهم لما قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة" 2. فدل الحديث أن المراد المعنى لا اللفظ؛ لأنهم ما طلبوا إلها قد طلبوا ذات أنواط، فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحلف أن ما تألهه القلوب فهو الإله كائناً ما كان، وبأي لفظ كان.
قال ابن كثير: "العبادة في اللغة من الذلة يقال: طريق معبد أي مذلل، وفي الشرع عما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف"3.
وفي حاشية البيضاوي: والعبادة أبلغ من العبودية التي هي إظهار
__________
1 أنوار التنزيل ص 456
2 رواه الإمام أحمد (5/218) والترمذي (2181) من حديث أبي واقد الليثي. وقال الترمذي: حسن صحيح.
3 تفسير القرآن العظيم لابن كثير.

الصفحة 120