كتاب فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد

يبتغي بذلك وجه الله" 1. وقوله: " لا يدخل النار من قال لا إله إلا الله" وما جاء من هذا الضرب من الأحاديث التي أشكلت على كثير من الناس حنى ظن بعضهم أنها منسوخة، وظنها بعضهم قبل ورود الأوامر والنواهي واستقرار الشرع، وحملها بعضهم على نار المشركين والكفار، وأول بعضهم الدخول بالخلود، وقال: المعنى لا يدخلها خالداً ونحو ذلك من التأويلات المستكرهة، والشارع صلوات الله وسلامه عليه لم يجعل ذلك حاصلاً بمجرد قول اللسان فقط وأن هذا الخلاف معلوم بالاضطرار عن دين الإسلام فإن المنافقين يقولونها وهم تحت الجاحد لها في الدرك من النار، فلابد من قول القلب واللسان، وقول القلب يتضمن معرفتها والتصديق بها ومعرفة حقيقة ما تضمنت من النفي والإثبات ومعرفة حقيقة الإلهية المنفية عن غير الله المختصة به التي يستحيل ثبوتها لغيره، وقيام هذا المعنى بالقلب علماً ومعرفة ويقيناً وحالاً ما يوجب تحريم قائلها من النار، وكل قول رتب الشارع، عليه من الثواب فإنها هو كقول "من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر" 2. وليس هذا مرتباً على مجرد قول اللسان، وليس من قالها بلسانه غافلاً عن معناها معرضاً عن تدبرها ولم يواطئ قلبه لسانه ولا عرف قدرها وحقيقتها راجياً مع ذلك ثوابها حطت خطاياه بل على حسب ما في قلبه فإن الأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلب، فتكون صورة العملين واحدة بينهما من التفاضل كما بين السماء والأرض، والرجلان يكون مقامهما في الصف واحداً وبين
__________
1 تقدم تخريجه.
2 رواه الترمذي (3466) من حديث أبي هريرة مرفوعاً بنحوه. وقال: "حسن صحيح". وفي الباب عن أنس أخرجه مسلم (2692) .

الصفحة 128