كتاب فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد

صلاتيهما كما بين السماء والأرض، وتأمل حديث البطاقة التي توضع ويقابلها تسعة وتسعون سجلاًّ كل سجل منها مد البصر فتثقل البطاقة وتطيش السجلات ولا يعذب، ومعلوم أن كل موحد له مثل هذه البطاقة وكثير منهم من يدخل النار بذنوبه وكلن السر الذي ثقل بطاقة ذلك الرجل وطاشت لأجلها السجلات ولم يحصل لغيره من أرباب البطاقات انفردت بطاقته بالثقل والزنة، وإذا أردت زيادة إيضاح لها فانظر إلى ذكر من قلبه ملآن بمحبتك وذكر من هو معرض عنك غافل ساه مشغول بغيره، قد انجذبت دواعي قلبه إلى محبة غيرك وإيثاره عليك هل يكون ذكرهما لد واحداً؟ وهل يكون الوالدان اللذان هما بهذه المثابة وعبدك وزوجتك أو جاريتك عند الشدائد واحداً؟ وتأمل ما قام بقلب قاتل المائة من حقائق الإيمان التي لم تشغله عند السياق عن المسير إلى القرية وحملته وهو في تلك الحال إلى أن جعل ينوء بصدره وهو يعالج سكرات الموت لهول الأمر وإيمانه باليوم الآخر، ولا جرم أُلحق بالقرية الصالحة وجعل من أهلها، وقريب من هذا ما قام بقلب البغية التي رأت الكلب واشتد به العطش يأكل الثرى فما قام بقلبها ذلك الوقت مع عدم الدلاء وعدم المعين وعدم من ترائيه بعملها حملها على أن عرضت بنفسها في نزول البئر وتملأ ماء في خفها ولم تعبأ بتعرضها للتلف وحملها له بفيها وهو ملآن حتى أمكنها الرقي في البئر ثم تواضعها لهذا المخلوق الذي جرت عادة الناس بضربه وطرده فأمسكت له الخف بيدها حتى شرب دون أن ترجو منه جزاء وشكوراً، فأحرقت أنوار هذا القدر من التوحيد ما تقدم منها من البغاء فغفر لها، فهكذا حال الأعمال عنده والغافل في غفلته عن هذا، وما هذا إلا الأكسير أو الكيمياوي الذي إذا وضع منه مثقال على قناطير من نحاس الأعمال قَلَبَها ذهباً، انتهى.

الصفحة 129