كتاب فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد

لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} . [الممتحنة: 4] . وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} . [الزخرف: 26-28] . يعني لا إله إلا الله، لأن معنى الآيتين نفي العبادة عما سوى الله تعالى وإثباتها لله وحده لا شريك له، وأيضاً معناها الولاء لمن عبد الله وحده لا شريك له والبراء ممن أشرك مع الله غيره فكان عليه السلام مجتهداً في تعليمه الناس الخير والحق والتوحيد.
قانتاً لله أي مطيعاً له كقوله تعالى: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} . [الروم: 26] . أي مطيعون مذعنون، قال النووي عن سلمة بن كهيل عن مسلم البطين عن السعدين1 أنه سأل ابن مسعود عن الأمة القانت فقال: الأمة معلم الخير والقانت المطيع لله.
حنيفاً أي مائلاً من الباطل إلى الحق ومن الشرك إلى التوحيد ومن الكفر إلى الإيمان ومن النفاق إلى الإخلاص ومن المعاصي إلى الطاعات، قال تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} . [النجم: 37] .
ولم يك من المشركين تبرأ من المشركين ومما يعبدون من دون الله تعالى وأخلص العمل لله وحده وكسر الأوثان {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} . [الأنبياء: 68] . قال ابن عمر: بنوا بنياناً كالحفيرة ثم جمعوا أصلاب الحطب من أصناف الخشب مدة حتى المريض يقول: إن عافني الله لأجمعن حطباً لإبراهيم وكانت
__________
1 كذا الأصل! وصوابه: "عن أبي العُبيدين" كما في "تفسيره" ابن جرير الطبري 7/660.

الصفحة 155