كتاب فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد

وأما صفة التوحيد: أن تجعل الخالق المكوِّن المدبر نصب عينيك وتفنى فيه1، أن تفنى في معرفة أسمائه الحسنى وصفاته العليا وأفعاله الحسنة، وأقواله الصدق وتستدل بها على أنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له، وأن عبادة ما سواه باطل، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ} فحينئذ تثمر لك هذه الحالة أن تقطع العلائق عن الخلائق من حيث الجملة على الإطلاق، وتجعلهم كالعدم المحض وتقول: إياك نعبد وإياك نستعين، وكيف لا وقد قال الله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} . [يونس: 107] . وقال تعالى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} . [الزمر: 38] . وغير ذلك من الآيات الدالة على ذلك، أما ترى أن الله تعالى أمر رسوله بالتعلق به تعالى وحده، من بعد ما بين صريحاً أن غيره لا ينفع ولا يضر؟ هذا؛ فكيف يجتمع في قلب مؤمن سليم الإيمانُ بهذه الآيات وأشباهها، ودعوة غير الله في كشف الكربات ودفع الملمات وقد قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً} . [الإسراء: 56] . ذكر المفسرون أن ناساً كانوا يعبدون عيسى، وناساً عزيزاً، فأنزل الله تعالى هذه الآية أن هؤلاء لا يملكون لكم شيئاً لا كشف الضر عنكم ولا تحويلا للضر، قال تعالى: {بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً} . [الرعد: 31] وقال تعالى: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ، [يّس: 83] . هذا في الدنيا، وقال تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ
__________
1 الفناء اصطلاح صوفي.

الصفحة 29