كتاب فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد

وذخائره وجواهره، وبين للعبد ليس فيه جواهر الملك وذخائره، وبين خال صفر لا شيء فيه فجاء اللص ليسرق أحد البيوت فمن أيها يسرق؟ فإن قلت من البيت الخال كان محالاً؛ لأن البيت الخالي ليس فيه شيء فيسرقه، ولهذا قيل لابن عباس: أن اليهود تزعم أنها لا توسوس في صلواتها، فقال: وما يصنع الشيطان بالقلب الخراب؟ وإن يسرق من بيت الملك كان ذلك كالمستحيل الممتنع، فإن عليه من الحرس ما يرده، ولا يزال ما لا يستطيع اللص من الدنو منه، كيف وقد حارسه الملك نفسه؟ وكيف يستطيع الدنو منه وحوله من الحرس والجند ما حوله؟ فلم يبق للص إلا البيت الثالث وهو الذي يشن عليه الغارات، فقلب خلا من الخير كله وهو قلب الكافر والمنافق فذلك بيت الشيطان قد أحرزه لنفسه واستوطنه واتخذه مسكناً ومستقرًّا فأي شيء يسرق وفيه خزائنه وذخائره وشكوكه ووساوسه؟ انتهى.
قلت: وذلك لما خلا من قلبه نور التوحيد ونور الكتاب والسنة صار مثله كما قال تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} . [النور: 40] . وحينئذ لقي العدو عليه مساطي1، وهذا شأن العدو الضعيف: وهو الشيطان ضعيف فإنه في الكيد، قال تعالى: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} . [النساء: 76] .وشأن السراق وقطاع الطريق بل السباع الضواري بل والهوام وحشرات الأرض كالحيات والعقارب وأشباهها ما يظهرون ولا يعدون على الحصون والبيوت والطرق إلا في الليل المشتمل على الظلمات التي
__________
1 هي مِنَ السَّطْوِ، يعني: "مدخل" أي أن الشيطان سَطَا على ابن آدم؛ لما ضعف نور الوحيد في قلبه.

الصفحة 32