كتاب فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد

صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه فهو منافق: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان" 1. وفي حديث آخر: "إذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر" 2. هذا إذا كان معتقداً صحة الدين، وإلا هو من الصنف الأول، تأمل تعرف صنوف الناس وأحوالهم.
ولما كان قصد الشيخ –رحمه الله- من تأليفه الميمون بيان التوحيد الذي خُلقت الكائنات لأجله، وأرسلت الرسل لأجله، وأنزلت الكتب لأجله، وإن كانت دلائله أكثر من أن تعد وتحصى، عقلاً ونقلاً، خلقاً وأمراً، كما قيل:
وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد3
فهو –رحمه الله- اختصر لأهل زمانه الذين غفل أكثرهم عن الأصل الذي هو للأديان والملل أساس، وتعلقوا بفروع لم يرفع –مع عدم الأصل- لها رأس، مختصراً مفيداً، مشتملاً على دلائل نقلية أمرية، ثابتة بالكتاب والسنة، وإجماع أئمة الدين، وأهل الحق والعرف واليقين، وصدَّر تلك الدلائل بآية كافية في البيان، شافية للأمراض الشركية، ووساوس الشيطان، فقال –رحمه الله وجعل الجنة مثواه-: وقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} . يجوز في إعراب قواه الرفع على أنه العطف على كتاب، أي هذا كتاب التوحيد، وهذا قوله تعالى، ويجوز فيه الجرّ على أنه عطف على التوحيد، أي كتاب في بيان التوحيد، وفي بيان قوله تعالى وقوله: {وَمَا خَلَقْتُ} قلت: فيه أعظم دليل على أنه المنفرد للخلق؛ لأنه تعالى ذكر
__________
1 رواه البخاري (33 و2749 و2682 و6095) ، ومسلم (59) .
2 رواه البخاري (34 و2459) ومسلم (58) .
3 نسبة صاحب الوفيات 7/137 لأبي نواس، ونسبة الأصفهاني في الأغاني 4/35 لأبي العتاهية.

الصفحة 46