كتاب فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد

شرح الباب 61
باب ما جاء في بيان إثم كثرة الحلف وعقوبته وما يؤول إليه وبيان قال الله: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} . [المائدة: 89] . قيل: أي اتركوا الحلف، وقيل: إذا حلفتم فلا تحنثوا المراد حفظ اليمين عن الحنث هذا إذا لم تكن يمينه على ترك مندوب أو فعل مكروه، والأفضل أن يحنث نفسه ويكفِّر.
عن عبد الرحمن بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أوتيتها عن غير مسألة أعنت عليها، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفِّر عن يمينك وأت الذي هو خير" 1.
وأما ما يؤول إليه من المضار فعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للبركة" 2. فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مآل الحلف الذي ليس له سبب شرعي محق للبركة مما حلف عليه وكفى بذلك عقوبة دنيوية.
وأما العقوبة الأخروية وعن سلمان أن رسول الله صلى عليه وسلم قال: "ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: أُشيمط زان وعائل مستكبر ورجل جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه" رواه الطبراني بسند صحيح3.
قلت: الزنى قبيح في الكل، ولكن في الشائب أقبح؛ لأن دواعي الشهوة منتفية عنه لضعف قواه. والاستكبار قبيح في الكل،
__________
1 أخرجه البخاري (7147) ومسلم (1652) من حديث عبد الرحمن بن سمرة.
2 أخرجه البخاري (2087) ومسلم (1606) من حديث أبي هريرة.
3 أخرجه الطبراني في الكبير (6/6111) والصغير (2/21) من حديث سلمان.

الصفحة 462