كتاب فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد

بصيغة الإفراد وهو كذلك، قال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} . [الزمر: 62] .وقال تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} . [لأعراف: 54] . ففيه ردُّ شاف على المجوس، حيث ذهبت إلى تقديس الباري عن تخليق الشر على زعمهم، كالجبابرة، والظلمة، والأشياء المفسدة، والسباع، والحيات، وأشباهها، مما هو مضرة على الإطلاق، وصاروا كالمستعيذ من الرمضاء إلى النار، أرادوا تقديس الباري عن تخليق الشر، ووقعوا في شرك الربوبية، فجعلوا منها للباري تعالى، وجعلوا منها لإبليس عدو لله فأمضى ذلك إلى الشرك والتعجيز، والقول بأن من شاء منهم فتنفذ مشيئته، والباري لم تنفذ مشيئته. ومعلوم عند كل عاقل بالضرورة أن أخص صفات الربوبية القدرة، وتبعهم على ذلك جماعة ممن ينتسب إلى الإسلام، وهم المعتزلة، فقالوا: تقدس الله عن تخليق المعاصي، وتكوين الزنا، واللواط، وإثبات الكفر والشرك، وإرادة قتل الأنبياء. فلزمهم ما لزم المجوس من الشرك، وأهل الحق يقولون: هو الله وحده في الربوبية، وعبادته، وأفعاله، لا شريك له في تخليقه، ولا نظير له في تكوينه، ولا راد لإرادته، ولا مضاد لمشيئته، ولا يعجز عن شيء، ولا ينفذ عليه أمر حي.
وأما تخليق هذه الأشياء، فالنظر فيه من وجوه:
أحدها: إن قصرت عقولنا عن إدراك الحكمة فيها لا تعجز عن إدراك أن الإله لا يوصف بالعجز، فعلينا أن نعمل بالقضية المدلول علماً، ولا نتركها لمأخذ لا نقف عليه.
الثاني: أن فيها ضرراً وفساداً إضافيًّا لا ذاتيًّا، فالحية لا ضرر في ذاتها بل في ريقها، كما يضرها1 ريقنا وريق الصائم يميت الله
__________
1 أي بالاستعاذة والرقية.

الصفحة 47