كتاب فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد

وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس" خطاباً للكل لأنه مرسل للناس جميعاً فيلزمه التبليغ للجميع، قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} .
"قولوا بقولكم" وهذا يقرر ما ذكرت من أن المحلى بالألف واللام عند الإطلاق يبتدر الذهن إلى ما هو أعظم، وعند التنكير أو الإضافة فلا، فلهذا لما قالوا: أنت السيد قال السيد الله، ولما قالوا: أنت سيدنا بالإضافة قال: قولوا بقولكم.
"ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد: عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل". رواه النسائي بسند جيد1. ومن حمايته صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد قوله لجويرية لما قالت: وفينا رسول الله يعلم ما في غد قال صلى الله عليه وسلم: "دعي هذا وقولي ما كنت تقولين" 2. أي لا تقولي لي ما لست له بأهل، فإن علم الغيب حق الله لا يعلمه إلا هو كما قال: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} . [الأنعام: 59] . وقوله: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} . [النمل: 65] . وقوله تعالى: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} . [الأعراف: 188] .
ومنها ما ثبت في المسند وغيره عن معاذ بن جبل لما رجع من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذه يا معاذ، فقال: يا رسول الله رأيتهم يسجدون لأساقفتهم ويذكر ذلك عن أنبيائهم فقال صلى الله عليه وسلم: "كذبوا
__________
= عبد الله بن الشخير عن أبيه.
1 أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (250) من حديث أنس.
2 رواه البخاري (4001 و5147) .

الصفحة 476