كتاب فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد

العقرب به فكان ريقنا سبباً لضرر الحيات والعقارب.
والثالث: فيها منافع من وجوه كثيرة، كالترياق المتخذ من لحوم الأفاعي دافع ضرر السموم، وغير ذلك من الفوائد، إن أردتها انظر كتب الطب.
الرابع: إظهار القهر تذكرة للعذاب والنار، كما جعل الصورة الحسنة، والبساتين المزهرة، تذكرة من الجنة، استدعاء إلى الطاعة، وزجراً عن المعصية.
الخامس: تبغيض الدنيا وتكدير عيشها والتشويق إلى مفارقتها.
السادس: إظهار الاستغناء عن الخلق وعدم الالتفات إليهم.
قوله تعالى: (الجن والإنس) الألف واللام فيهما للماهية، أي ما خلقت ماهية الجن والإنس إلا للعبادة، ويحتمل أن يكون لاستغراق صنوف الجن وصنوف الإنس، لأن كل نوع من نوعي الجن والإنس مشتمل على أصناف متغايرة متعددة، وهذا أليق بالمقام؛ لدلالة تعداد الأجناس والأنواع والأصناف على كمال القدرة، وكمال العلم، بالجزئيات، والكليات، اللذين هما في الدلالة على الألوهية كما قيل: كأنه علم على رأسه نار. قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} [الطلاق: 12] .
واعلم أن كل مصنوع لا بد فيه من تصور أربع علل: علة الفاعلية، وعلة الصورية، وعلة المادية، وعلة الغائية، فإذا عرفت ذلك أن الجن والإنس مصنوعان من مصنوعات الله، قال تعالى: {اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88] . فيلزم فيهما ما يلزم في غيرها. فالفاعل الله وحده، جل جلاله، وعمّ نواله، قال تعالى: {خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ}

الصفحة 48