كتاب فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد

ويذبحون عندها، ويستشفون، ويخضعون، ويركعون، ويسجدون عندها، ثم آل الأمر بهؤلاء المشركين أن شرعوا للقبور حجًّا، ووضعوا مناسك حتى صَنَّفَ بعضهم من غلاتهم في ذلك كتاباً وسماه (مناسك حج المشاهد) مضاهاة منه بالقبور لبيت الله الحرام، ولا يخفى أن هذا مفارقة لدين الإسلام ودخول في دين عباد الأصنام.
قال ابن تيمية -رحمه الله-: "اعلم أن العبادة مبناها على الاتباع لا على الابتداع فليس لأحد أن يصلى إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول: هو أحق بالصلاة إليه من الكعبة وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها" 1. مع أن طائفة من غلاة العباد يصلون إلى قبور شيوخهم بل يستدبرون القبلة ويصلون إلى قبر الشيخ ويقولون هذه قبلة الخاصة والكعبة قبلة العامة، وآخرون أمثل من هؤلاء يرون الصلاة عند قبور شيوخهم أفضل من الصلاة في المساجد حتى المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وكثير من الناس يرى أن الدعاء عند قبور الأنبياء والصالحين أفضل من الدعاء في المساجد ويرى الصلاة في المساجد المبنية على القبور أفضل من المساجد التي لا قبور فيها، وهذا كله مما علم جميع أهل العلم بدين الإسلام أنه مناف لشريعة الإسلام، وأنه لم ينقله أحد من علماء الأمة بل هم متفقون على أنه لا فضيلة للصلاة عند القبور، ولا في المساجد المبنية التي على القبور التي تسمى المشهد بل ذلك مخالف لله ولرسوله ولشرعه كما مضى في الأحاديث المتقدمة، مع أن طائفة من الغالية من الشيعة ومن المنتسبين إلى السنة يرون السفر إلى القبور حجًّا، وقد صنف ابن
__________
1 أخرجه مسلم (972) من حديث أبي مرثد.

الصفحة 480