كتاب فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد

باب الحلال والحرام، فإن أقواماً استحلوا بعض ما حرمه الله تعالى، وأقواماً حرموا ما أحل الله تعالى، وكذلك أقوام أحدثوا عبادات لم يشرعها الله تعالى، بل نهى عنها. وأصل الدين أن الحلال ما أحله الله ورسوله في كتابه الكريم، والحرام: ما حرمه الله ورسوله في كتابه الكريم، ليس لأحد أن يخرج عن الصراط المستقيم الذي بعث الله تعالى به رسوله، قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} . [الأنعام: 153] . وفي حديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خط خطًّا وخط خطوطاً عن يمينه وشماله، ثم قال: "هذا سبيل الله وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه"، ثم قرأ {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} 1. وقد ذكر الله تعالى في سورة الأنعام، والأعراف، وغيرهما، ما ذم الله به المشركين، حيث حرموا ما لم يحرمه الله تعالى، كالبحيرة والسائبة، واستحلوا ما حرمه الله، كقتل أولادهم، وشرعوا ديناً لم يأذن الله به، فقال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21] .ومنه أشياء محرمة جعلوها عبادات، كالشرك والفواحش، مثل: الطواف بالبيت عراة، وغير ذلك. والكلام في الحلال والحرام له مواضع أخرى، والمقصود هاهنا العبادات، فنقول العبادات التي يتقرب بها إلى الله مفروض ومستحب، كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما يرويه عن ربه: "ما تقرب ألي عبدي بمثل ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته
__________
1 أخرجه الإمام أحمد (1/435 و465) والدرامي (1/67) وابن ماجة (11) والحاكم (2/318) وابن جرير "في التفسير" (14168) وابن أبي عاصم في السنة (17) .

الصفحة 50