كتاب فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد

كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولابد له منه" 1، الحديث، ومعلوم أن الصلاة منها فرض، وهي الصلوات الخمس، ومناه نافلة، كقيام الليل، وكذلك السفر إلى المسجد الحرام فرض، وإلى المسجدين الآخرين مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وبيت المقدس مستحب، وكذلك الصدقة منها ما هو مفروض، ومنها ما هو مستحب، وهو العفو كما قال الله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: 219] . وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا ابن آدم إنك إن تنفق الفضل خير لك وإن تمسكه شر لك ولا تلام على كفاف واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول" 2، والفرق بين الواجب والمستحب له وضع غير هذا. والمقصود هنا: الفرق بين ما هو مشروع –سواء كان واجباً أو مستحباًّ-وما ليس بمشروع، فالمشروع: هو الذي يتقرب به إلى الله، وهو سبيل الله، يعني شرعه الله على لسان محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فيكون خالصاً صواباً فافهم، وهو البر والطاعة والحسنات والخير والمعروف، وهو طريق السائلين، ومنهاج القاصدين والعابدين، وهو الذي يسلكه كل من أراد الله وسلك طريق الزهد والعبادة، ونحو ذلك، ولا ريب أنه تدخل فيه الصلاة المشروعة، واجبها، ومستحبها، ويدخل في ذلك قيام الليل المشروع، وقراءة القرآن على الوجه المشروع، والأذكار، والدعوات
__________
1 رواه البخاري (6502) وقوله: " فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي "، إنما هو من كلام الصوفي غير مسند، انظر "الفتح" 11/352.
2 رواه مسلم (1036) .

الصفحة 51