كتاب فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد

في ذلك، حتى تحقر الصحابة عبادتهم في جنب عبادة هؤلاء، وهؤلاء غلوا في العبادة بلا فقه، حتى آل الأمر بهم إلى البدعة فقال: "يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية أينما وجدتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً عند الله لمن قتلهم يوم القيامة". فاستحلوا دماء المسلمين، وكفَّروا من خالفهم، وجاءت فيهم الأحاديث الصحيحة، قال الإمام أحمد بن حنبل: صح فيهم الحديث من عشرة أوجه، وقد أخرجها مسلم في صحيحه، وأخرج البخاري قطعة منها. ثم هذه الأجناس الثلاثة مشروعة، ولكن يبقى الكلام في القدْر المشروع منها، وله تصنيف يُسمى: كتاب "الاقتصاد في العبادات" وقال أُبيّ بن كعب –رضي الله عنه-: اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة. والمقصود هنا الكلام في أجناس عبادات غير مشروعة حدثت في المتأخرين، كالخلوات، فإنها تشبّه الاعتكاف الشرعي، والاعتكاف الشرعي في المساجد كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله هو وأصحابه، وأما الخلوات فبعضهم يحتج فيها بتحنثه صلى الله عليه وسلم بغار حراء قبل الوحي، وهذا خطأ فإن ما فعله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة إن كان قد شرعه بعد النبوة فنحن مأمورون باتباعه، وإلا فلا –إلى أن قال-: ثم صار أصحاب الخلوات منهم من يستمسك بجنس العبادات الشرعية، كالصلوات، والصيام، والقراءة، والذكر، وأكثرهم يخرجون إلى أجناس غير شرعية، فمن ذلك طريق أبي حامد ومن تبعه، وهؤلاء يأمرون صاحب الخلوة أن لا يزيد على الفرض، ولا قراءة ولا نظر في حديث نبوي، ولا غير ذلك، بل قد يأمرون بالذكر ثم يقولون ما يقوله أبو حامد: ذكر العامة

الصفحة 53