كتاب فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد

للصلاة ولا للدعاء ولا للذكر، إذا لم يكن شرع الله ورسوله قصدها لذلك، وإن كان مسكناً لنبي، أو منزلاً، أو ممرّاً، فإن الدين أصله متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، وموافقته، بفعل ما أمرنا به، وشرعه لنا، وسنه لنا، ونقتدي به في أفعاله التي يشرع لنا الاقتداء به فيها، بخلاف ما كان من خصائصه، فأما الفعل الذي لم يشرعه هو لنا، ولا أمرنا به، ولا فعله فعلاً، سن لنا أن نتأسى به فيه فهذا ليس من العبادات والقربة، فاتخاذ هذا قربة مخالفة له صلى الله عليه وسلم، وما فعله من المباحات على غير وجه التعبد، يجوز لنا أن نفعله مباحاً كما فعله مباحاً.
ولكن هل يشرع لنا أن نجعله عبادة وقربة؟ فيه قولان كما تقدم، وأكثر السلف والعلماء على أن لا نجعله عبادة وقربة، بل نتبع فيه، وأهل العبادات البدعية يزين لهم الشيطان تلك العبادة، ويبغض إليهم السبل الشرعية، حتى قد يبغضهم العلم والقرآن والحديث. –ثم ذكر كلاماً طويلاً في تنوع هؤلاء إلى أن قال رحمه الله تعالى-: ثم إن هؤلاء لما ظنوا أن هذا يحصل لهم من الله بلا واسطة، صاروا عند أنفسهم أعظم من أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول أحدهم: فلان أعطي على يد محمد وأنا عطيتي من الله بلا واسطة. ويقول أيضاً: فلان يأخذ عن الكتاب وهذا الشيخ يأخذ عن الله. وأمثال هذا، قول القائل: يأخذ عن الله وأعطاني الله، قول مجمل فإن أراد به الإعطاء والأخذ العام وهو الكوني والخلقي، أي بمشيئة الله تعالى وقدرته حصل لي، فهذا حق، ولكن جميع الناس يشاركونه في هذا، وإن أراد أن هذا الذي حصل لي هو ما يحبه الله ويرضاه ويقربه إليه، وهذا الخطاب الذي يلقى إليّ هو كلام الله، فهنا طريقان:
أحدهما أن يقال: من أين لك هذا إنما هو من الله لا من الشيطان وإلقائه ووسوسته؟ فإن الشياطين يوحون إلى أوليائهم

الصفحة 56