كتاب فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد

ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون، وينزلون عليهم، كما أخبر الله بذلك في القرآن، وهذا موجود كثير في عباد المشركين وأهل الكتاب، وفي الكهان والسحرة، ونحوهم، وأهل البدع بحسب بدعتهم، فإن كانت هذه الأحوال قد تكون رحمانية وقد تكون شيطانية؛ فلابد من الفرق بين أولياء الله وأولياء الشيطان.
والطريق الثاني أن يقال: بل هذا من الشيطان؛ لأنه مخالف لما بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم، وذلك أن ينظر فيما حصل له، وإلى سببه، وإلى غايته، فإن كان السبب عبادة غير شرعية، مثل أن يقال: اسجد لهذا الصنم حتى يحصل لك المراد، واستشفع بصاحب هذه الصورة حتى يحصل لك المطلوب، أو ادع هذا المخلوق، واستغث به، مثل أن يدعو الكوكب، أو أن يدعو مخلوقاً كما يدعو الخالق، سوء المخلوق ملكاً، أو نبيًّا، أو شيخاً. فإذا دعاه كما يدعو الخالق سبحانه إما دعاء عبادة، وإما دعاء مسألة، صار مشركاً به، فحينئذ ما حصل له بهذا السبب حصل له بالشرك، كما يحصل للمشركين وكانت الشياطين تترائى لهم أحياناً، وقد يخاطبونهم من الصنم، ويخبرونهم ببعض الأمور الغائبة، أو يقضون لهم الحوائج، فكانوا يبذلون لهم هذا النفع القليل بما اشتروه من توحيدهم وإيمانهم، الذي هلكوا بزواله كالسحر، قال الله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} . إلى قوله: {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} . [البقرة: 102] 1
__________
1 قاعدة في العبادات والفرق بين بدعيتها وشرعيتها بشيخ الإسلام ابن تيمية (ص20-ص68) .

الصفحة 57