كتاب فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد

قال ابن رجب -رحمه الله تعالى- في شرح "الأربعين": "والأعمال قسمان: عبادات، ومعاملات، فأما العبادات: فما كان منها خارجاً عن حكم الله ورسوله بالكلية فهو مردود على عامله، وعامله يدخل تحت قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} . [الشورى: 21] . فمن تقرب إلى الله بعمل لم يجعله الله ورسوله قربة إلى الله فعمله باطل مردود عليه، وهو شبيه بحال الذين كانت صلاتهم عند البيت مكاء وتصدية، وهذا كمن تقرب إلى الله تعالى بسماع الملاهي، أو بالرقص، أو بكشف الرأس، في غير الإحرام، وما أشبه ذلك من المحدثات التي لم يشرع الله ورسوله التقرب بها بالكلية. وليس ما كان قربة في عبادة يكون قربة في غيرها مطلقاً، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً قائماً في الشمس فسأل عنه فقيل: إنه نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل، وأن يصوم. فأمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقد ويستظل وأن يتم صومه 1، فلم يجعل قيامه وبروزه للشمس قربة بنذرهما، وقد روي أن ذلك كان في يوم الجمعة عند سماع خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يخطب2 إعظاماً لسماع خطبة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قربة تُوفي بنذره مع أن القيام عبادة في مواضع للمحرم، فدل على أنه ليس كل ما كان قربة في موطن يكون قربة في كل المواطن، وإنما يتبع في ذلك ما وردت به الشريعة في مواضعها. وكذلك من تقرب بعبادة نهي عنها بخصوصها، كمن صام يوم العيد، أو صلى في وقت النهي.
__________
1 رواه البخاري (6704) .
2 رواه الطحاوي في "مشكل الآثار" (2167) ، وابن حبان (4385) وإسناده صحيح.

الصفحة 58