كتاب فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد

فيبطلها، وبين أن لا يكون مختصًّا بها، فلا يبطلها، فالصلاة بالنجاسة، أو بغير طهارة، أو بغير ستارة، أو بغير قبلة، يُبطلها، لاختصاص النهي بالصلاة، بخلاف الصلاة في الغصب. ويشهد لهذا أن الصيام لا يبطله إلا ارتكاب ما ينهى عنه فيه بخصوصه، وهو جنس الأكل، والشرب، والجماع، بخلاف ما نهي عنه الصائم لا بخصوص الصيام، كالكذب، والغيبة. عند الجمهور، وكذلك الحج لا يبطله إلا ما نهي عنه في الإحرام، وهو الجماع ولا يبطله ما لا يختص بالإحرام من المحرمات، كالقتل، والسرقة، وشرب الخمر، وكذلك الاعتكاف إنما يبطل بما نهي عنه فيه بخصوصه، وهو الجماع، وإنما يبطل بالسكر لنهي السكران عن قربان المسجد، ودخوله، على أحد التأويلين لقوله تعالى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} . [النساء: 43] . أن المراد مواضع الصلاة، فصار كالحائض، ولا يبطل الاعتكاف بغيره من ارتكابه الكبائر عندنا، وعند كثير من العلماء، وإن خالف في ذلك طائفة من السلف، منهم: عطاء، والزهري، والثوري، ومالك، وحكي عن غيرهم أيضاً. وأما المعاملات كالعقود، والفسوخ، ونحوهما فما كان منها تغييراً لأوضاع الشريعة؛ كجعل حد الزنا عقوبة مالية، وما أشبه ذلك، فإنه مردود من أصله، لا ينتقل به الملك؛ لأن هذا غير معهود. وما كان منها عقوداً منهيًّا في الشرع، إما لكون المعقود عليه ليس محلاًّ للعقد، أو لفوات شرط فيه، أو لظلم يحصل به للمعقود معه، أو عليه، أو لكون العقد يشغل عن ذكر الله الواجب عند تضايق وقته، أو غير ذلك، فهذا العقد هل هو مردود بالكلية لا ينتقل به الملك أم لا؟ هذا الموضع قد اضطرب الناس فيه، وذلك أنه ورد في بعض الصور أنه مردود لا يفيد الملك، وفي بعضها أنه يفيده، والأقرب إن شاء الله تعالى أنه إن كان النهي عنه لحق الله

الصفحة 60