كتاب فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد

فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} ، يخبر تعالى بعاده ويوضح لهم أنه تعالى وتقدس ما أرسل رسله إلى عباده إلا ليعبدوه وحده، ولا يشركوا معه غيره، لا في العبادة القولية، ولا الفعلية، ولا الإرادية، والنية، فضلاً منه ورحمة لئلا يضلوا فيستوجبوا دخول النار، قال تعالى: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} . [النساء: 165] .
قلت في قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا} الآية فوائد لمن تدبرها:
الأولى: أنه تعالى بعث في كل أمة رسولاً، ولا خصص أمة دون أمة، لإظهار عدله، وإتمام حجته على الناس كلهم.
الثانية: أنه ما تركهم هملاً، بل أرسل إليهم رسلاً يرشدونهم إلى التي هي أقوم وأصلح من أمر دينهم الذي به سعادة الأبدية.
الثالثة: أنه تعالى ما خلقهم عبثاً، بل لعبادته خلقهم قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} . [المؤمنون: 115،116] . نزه الله نفسه عن خلقهم عبثاً وتركهم هملاً لا يبعث الرسل إليهم ولا ينزل معهم الكتب زلا يبين لهم مراده.
الرابعة: أن اختلاف الناس في الألوهية أي في أفعالهم، ليس اختلافهم في الربوبية، أي أفعال الله؛ لأنه لو كان الاختلاف في الربوبية لذكره الله تعالى كما ذكر اختلافهم في الألوهية كقوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} ، [النحل: 36] . وقوله تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} . [هود: 1، 2] . وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} . [الكهف: 110] .فبين الله تعالى أن الذي أوجب إرسال الرسل شرك الألوهية، ليس شركاً في

الصفحة 62