كتاب فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد

يترتب عليه من الثواب والعقاب، والكمال والجمال: اعلم أن جوهر العقل إن لم يتلطخ بلطخ عذرات الكفر والشرك والنفاق، ولم يتدنس بدنس الذنوب والسيئات، ولم يختل بخلا أمراض الشبهات والشهوات، الدال صاحبه على فطرة الله التي فطر الناس عليها، وهي الملة الحنيفية ملة إبراهيم، ودين محمد بن عبد الله صلوات الله عليهم أجمعين، وهو التوحيد دلالة تامة لا محالة. وقد بين الله تعالى أن ذوي العقول هم أحرى للهداية، بل علق الله تعالى العقل والتذكر والتفكر، وأنه مهما عقل الإنسان وتفكر في آيات الله الكونية لدلته على لب اللباب وزبدة السنة والكتاب، وهو توحيد الألوهية، قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} . [آل عمران: 190] . وقال تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} . [الروم: 28] . وغير ذلك من الآيات الدالة على أن أهل العقول هم المستنفعون بالآيات الكونية، والآيات الأمرية، فعلى هذا أنا أمثل أمثالاً عقلية توافق النقل على أن لا يعبد مع الله غيره، وأن عبادة غيره باطلة، وأن عابد غيره أضل من كل ضال.
المثل الأول: لو أن ملكاً قاهراً فوق رعاياه فأتاه مظلوم من رعاياه فدعاه مع عبدٍ مملوكٍ له في أخذ مظلمته هل يجوزه العقل؟ بل يستنكره ويستقبحه، مثل أن يقول: يا أيها الملك ويا أيها المملوك خذوا مظلمتي من هذا، فكل أحد يراه يقبح عليه؛ لأنه دعا الملك مع مملوكه جميعاً وشاركه معه في حكمه وأمره، ويغضب عليه الملك لأجل ذلك، فإذا كان دعوة الملك مع مملوكه جميعاً في قضاء الحاجة قبيح، وحال أنهم كلهم بنو آدم، وهم سواء في جميع الأحوال، إلا

الصفحة 67