كتاب فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد

أن المملوك قد جعله الله تحت يد الملك. فكيف بالأحد القيوم الصمد، الذي ليس كمثله أحد؟ يدعى مع عبده المخلوق الضعيف، النحيف العاجز، لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعاً، لاسيما يدعو مع الله ميتاً، كأن يقول: "يا الله يا عيدروس"، أو "يا الله يا فلان ويا فلان". وقد نبه الله تعالى على هذا، قال تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} . [المؤمنون: 117] .فقد كفَّر الله من دعا مع الله غيره.
المثل الثاني: أو أن غنيًّا كريماً ينفق من أصناف المال سرًّا وجهراً، ومملوك له لا يقدر على شيء، لا لنفسه ولا لغيره، فجاء محتاج وطلب حاجته من العبد وترك الغني الكريم، هل يجوّزه العقا؟ بل يستنكره ويستقبحه، وكل يقبح على فاعله، فإذا كان هذا قبيح في الغني الكريم والمملوك له، وهم بنو آدم فكيف برب البرايا مالك الملك والملكوت، يُترك ويُدعى المخلوق الضعيف، بل الموتى، بل الأشجار والأحجار في كشف الكربات ودفع الملمات؟ وقد نبه الله على هذا قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [النحل: 75] .
المثل الثالث: هل يرضى أحد أن يساوي مملوكه معه في حقه؟ وإن رضي أحد؛ هل يجوزه العقل؟ بل يستنكره أشد الاستنكار، ويستقبحه، وكل يقبح عليه ويوبخه على ذلك، فإذا كان هذا في العبيد النقص لا يجوز، فكيف بمساواة الكامل في جميع الوجوه خالق كل شيء لا إله إلا هو بعبد ضعيف عاجز لا يملك لنفسه شيئاً، فضلاً عن غيره؟ إلا في الدعاء، والحب، والخوف، والرجاء، والتوكل، والإنابة، والاستعانة، والاستغاثة فيما لا يقدر عليه إلا الله؛ لأن كل

الصفحة 68