كتاب فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد

28] . وقد ذكر الله تعالى عن الذين ساووا مع الله غيره أنهم يشهدون على أنفسهم بالضلال، قال تعالى: {قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} . [الشعراء: 96، 97] .
المثل الرابع: لو أن ملكاً قاهراً له عبيد مملكة لا يقدرن على شيء، بل يرجون مولاهم في ما ينوبهم، ويخافون عذابه ونقمته وعقوبته، ثم يأتي عبد من عبيده فيلوذ بعبد مثله من ضرّ، أو يطلب حاجة، ويترك الملك المعطي المانع النافع الضار، هل يجوزه العقل؟ بل يستنكره ويستقبحه، وكل يقبح عليه، فإذا كان هذا في بني آدم وهم سواء في العبودية والخلق، فكيف بمن يترك الرب تعالى وينساه، ويدعو غيره في كشف الضر وتحويله؟ كأن يقول: يا سيدي فلان أغثني، أو انصرني، أو اشفني، أو غير ذلك من الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى. وقد نبه الله تعالى على هذا قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} . [الإسراء: 56، 57] . ذكر المفسرون أن هذه الآية نزلت في عيسى وعُزير، تنبيهاً لمن يقصدهم في كشف الضر وتحويله، فإذا كان عيس روح الله وعزير لا يقدرون على كشف الضر وتحويله من مكان إلى مكان، ومحل إلى محل، فكيف بغيرهم؟
المثل الخامس: لو أن أحداً مر على مقبرة، ومعه دابة محملة فوقعت دابته في حفرة من الحفر، فقال: يا أهل القبور، يا فلان، يا فلان، -يعدد الموتى- ساعدوني على دابتي، وعنده رجل حي قوي، تركه ولم يدعه، هل يجوزه العقل؟ بل ينكره ويستقبحه من مخلوق يترك مخلوقاً حيَّا، ويدعو الموتى، فكيف بمن ترك الحي القيوم، ودعا في

الصفحة 70