كتاب فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد

ربهم الذي رباهم بنعمه بالشرك به، والكفر، وهذا أمر ينكره العقل، والنقل، والفطرة، كيف لا، والعقل يشهد بمجازاة الإحسان بالإحسان، والنقل كذلك، قال تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ} . [الرحمن: 60] . والفطرة فطرت على الإحسان إلى من أحسن إليه والمشركون قد خالفوا الكل. واعلم أن المشركين كانوا على أديان مختلفة، ومعابيد شتى، فمنهم من يعبد اللات، والعزى، ومناة. قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} . [النجم: 19،20] .
قال ابن القيم: "قال غير واحد من السلف: أن اللات كان رجلاً صالحاً يلتّ السويق للحاج فمات، فعكفوا على قبره" وأما العزى، فعلى ما ذكره المفسرون: أنها ثلاث سمرات في وادي نخلة تقصدها العرب. وأما مناة: فحجارة معروفة يهلّون منها للحج، ويستمطرون بها الأنواء. ومنهم من يعبد الأنبياء والصالحين، قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً} . [الإسراء: 56،57] . ذكر المفسرون أن هذه الآية نزلت في ناس يعبدون عيسى وعزيزاً. ومنهم من يعبدون الملائكة، يريدون منهم الشفاعة قال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} . [سبأ: 40،41] . ومنهم من يعبد الجن، قال تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} . [الجن: 6] . ذكر المفسرون أنهم إذا نزلوا الوادي قالوا: "إنا نعوذ بسيد هذا القوم من سفهائهم" ومنهم من يعبد الشمس والقمر، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا

الصفحة 78