كتاب فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد

وفجورهم، ومع ذلك يتبركون بهم، ويستشفون منهم.
الوجه الرابع: أن الأولين ما أرادوا من معابدهم إلا القربة، والشفاعة، وأكثر أهل زماننا يطلبون منهم الربوبية، كالعيال، والأولاد، والرزق، والسعة، والرحمة، والمغفرة، والنصر على الأعداء من دون سبب، ونظم في ذلك بعضهم في بعض معابيدهم:
يا عمدتي يا صفى الدين يا سندي ... يا عمدتي بل ويا ذخري ومفتخري
أنت الملاذ لما أخشى مضرته ... وأنت لي ملجأ من حادث الدهر
وامنن علي بتوفيق وعافية ... وخير خاتمة مهما انقضى عمري
وكف عني ألف الظالمين إذا ... امتدت بسوء وأمر مولمٍ نكري
فإنني عبدك الراجي بودك ما ... أملته يا صفي السادة الغرر
قال بعض العلماء: فأي معنى اختص به الخالق بعد هذه المنزلة؟ وماذا أبقى هذا المتكلم الخبيث لخالقه من الأمر؟ فإن المشركين أهل الأوثان وما يؤمنون في مَنْ عبدوه بشيء من هذا، وهذا بعض كلامهم. ولو ذهبنا نذكر ما يشبهه نظماً ونثراً لطال الكلام، وما وسعه المقام، وفاتنا ما قصدنا من النظام لهذا فكيف الإيمان بهذا وشبهه، والإيمان بقوله تعالى: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} . [يونس: 106، 107] . وقوله تعالى: {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً} . [الجن: 21] . وقوله تعالى: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} . [الأعراف: 188] . وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة: "يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله

الصفحة 81