كتاب فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد

بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} . [الأنعام: 151،153] . ومعلوم بالضرورة شرعاًً وعقلاً أنه إذا أراد أحد أن يسافر، أو كان مريضاً، أن يوصي أهله، وولده، ومن تبعه، بما يصلحهم من أمر دينهم ودنياهم، فكيف سيد المرسلين المبعوث إلى الخلق أجمعين المخاطب {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} . [المائدة: 67] . فكان هو صلى الله عليه وسلم أحق وأولى بالوصية لأمته بما يصلحهم في أمر دينهم الذي بعث إليهم لأجله، ولكن بحكمة أحكم الحاكمين حال بينه وبين وصيته صلى الله عليه وسلم ما حال.
خرَّج البخاري في صحيحه ثنا إبراهيم بن موسى نا هشام عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: لما حضر النبي صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "هلم بدواة وقلم أو نحو ذلك أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده". قال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه على الوجع، وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله. واختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما كثر اللغط والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قوموا عني". قال عبيد الله فكان ابن عباس يقول إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك من اختلافهم ولغطهم1.
هذا ولكن ابن مسعود -رضي الله عنه – علم من غرز علمه –المكتسب من صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم، المقتبس من نور علم الرسول
__________
1 رواه البخاري (114 و3053 و3168 و4431 و4432 و5669 و7366) .

الصفحة 83