كتاب فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد

صلى الله عليه وسلم- أنه ليس للرسول صلى الله عليه وسلم وصية غير وصية الله، فقال: من أراد أن ينظر إلى وصية محمد إلخ.
قلت: هذه الوصية لما اشتملت على الأحكام الأصلية، والفرعية، والباطنية، والظاهرية، والدنيوية، والأخروية، والعلمية، والأدبية، ذكرها ابن مسعود –رضي الله عنه-:
فأما الأحكام الأصلية: فدلالتها على التوحيد وشُعبه الذي هو أصل الأديان، وأساسها كلها. وأما الأحكام الفرعية: فما عدا التوحيد من الأوامر، والنواهي التي هي تابعة للتوحيد.
وأما الأحكام الظاهرية: فقوله: {وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ} والفاحش: ما استفحشه الشرع والعقل، كالزنا، واللواط، وقول الزور، والكذب، وقذف المحصنات، والسحر، وأشباه ذلك من الذي يستفحشه الشرع والعقل.
وأما الأحكام الباطنية: فقوله: {وَمَا بَطَنَ} كالرياء، والنفاق الاعتقادي، والكبر، والعجب، والحسد، والحقد، وحب أعداء الله، وبغض أوليائه، وغير ذلك من الأمور الباطنية المخالفة للوحيين.
وأما الأحكام الدنيوية: فعلى نوعين: نوع يتعلق بالأنفس، ونوع بالأموال. فأما ما يتعلق بالأنفس: فقوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} . [الإسراء: 31] . فالأولاد زينة الدنيا، كما قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} . [الكهف: 46] . وأمرك الله بإبقائها وأما ما يتعلق بالأموال: فقوله تعالى: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} فأرشد الله تعالى إلى إبقاء ما يزينهم جمالاً، مع أنه الرازق للكل، المعطي، المانع، المنعم، المتفضل.
وأما الأحكام الأخروية: فجميع الأحكام المأمور بها، والمنهي عنها؛ لأن جزاءها في الآخرة، ولو حصل للمطيع بعض الجزاء في

الصفحة 84