كتاب فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الشرح:
الحمد لله الذي تفرد بالملك، والملكوت، والعظمة، والجبروت، بقهره وعزته، خلق السماوات والأرض وما بينهما، وجعل الظلمات والنور بعلمه وقدرته، ودَبَّرَ العالمين بالتدبير الكامل، التام، الحسن برحمته، وحكمته، وكرَّم ابن آدم بالصورة الحسنة، ورزقه من الطيبات على سائر بريته، وخص الجن والإنس من بين خلقه بآياته المبينة لأحكامه، ورسالته، وأرسل إليهم الرسل، وأنزل معهم الكتب، وأعطاهم المعجزات الباهرات؛ لإتمام حجته، وبيان محجته، وأَمَرَهُم أن يبلغوا رسالته: أن لا يعبدوا إلا الله، ولا يشركوا في ربوبيته، وألوهيته، وخَصَّ من بين الرسل محمد بن عبد الله نبيَّا، ورسولاً لآخر الزمان، لتجديد طريقة إبراهيم وملته الحنيفية التي تُنَادي على رؤوس الملأ أن لا نشرك بالله في ربوبيته ووحدانيته، فأنذر صلى الله عليه وسلم بصوته الأعلى على الصفا من سمع النداء أن لا وَاقِيَ من عذاب الله ونقمته، وعَمَّ وخَصَّ صلى الله عليه وسلم وقال: "اشتروا أنفسكم عن الله لا أغني عنكم من الله شيئاً" 1. في دنياه وآخرته، فأبى المشركون إلا التبرك باللات، والعُزَّى، ومناة، والصالحين في مدة دعوته، فأذن الله له بقتال من أبى عن التوحيد بماله، ونفسه، وحجته، بجهده، فحينئذ أذَلَّ الله المشركين فأذعنوا بوحدانية الله وألوهيته، وأكمل الله الدين على يده صلى الله عليه وسلم فليس لأَحَدٍ يَدَّعِي متابعته أن يحيد عن شريعته، فلما أراد الله أن يختاره صلى الله عليه وسلم قال مبلغاً وناصحاً ومبيناً لأمته: "خلفت فيكم الثقلين لن
__________
1أخرجه البخاري (2753) و (4771) ، ومسلم (204) و (206) .

الصفحة 9