كتاب فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد

ليصيبه. والجنين قبل أن تنفخ فيه الروح يبعث الله تعالى ملكاً فيؤمر بأربع كلمات: رزقه وأجله وعلمه، وشقي أو سعيد، ونحو ذلك. والقدر ينكره بعض غلاة القدرية قديماً ومنكره اليوم قليل. والثانية فهو مشيئته النافذة، وقدرته الشاملة ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن لا خالق غيره ولا وارث سواه وأمر العباد بطاعته وطاعة رسوله، ولا يرضى لعباده الكفر ولا يحب الفساد. والعباد فاعلون حقيقة والله خالق أفعالهم، وخالق قدرتهم وإرادتهم، وهذه الدرجة تكذب عامة القدرية الذين سماهم الرسول صلى الله عليه وسلم مجوس هذه الأمة1. ويغلو فيها قوم حتى سلبوا العبد قدرته واختياره.
ويؤمنون أن الإيمان قول وفعل ونية، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ولا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر كما فعله الخوارج؛ بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي، كما قال في القصاص: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} . [البقرة: 178] . وقال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} . [الحجرات: 9] . ولا يسلبون الفاسق اسم الإيمان بالكلية فيخلدونه في النار كما تقوله المعتزلة، بل الفاسق يدخل في اسم الإيمان قال تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} . [النساء: 92] . ولا يدخل في الاسم الإيمان المطلق، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} . [الأنفال: 2] . وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو
__________
1 رواه الإمام أحمد (2/86 و125) ، وأبو داود (4691) ، وابن أبي عاصم في "السنة" (339) ، عن ابن عمر مرفوعاً بنحوه، وإسناده منقطع وله شواهد تقويه من حديث جابر وأنس وأبي هريرة وسهل بن سعد.

الصفحة 92