كتاب شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (اسم الجزء: 5)

عليَها في نارِ جهنَّمَ فيُكْوى بها جَنْبهُ وجبينُه وظَهرهُ، كلَّلما رُدَّتْ أُعيدتْ له في يومٍ كانَ مقدارُه خمسين ألفَ سنةٍ، حتى يُقضى بين العبادِ، فيرى سبيلَه: إِمَّا إِلي الجنَّةِ وإِمَّا إِلي النَّار)). قيلَ: يا رسولَ الله! فالإِبلُ؟ قال: ((ولا صاحبُ إِبلٍ لا يُؤَدي منها حقَّها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حرارتها صفائح النار، فيكوى بها، إلي آخره. وهذا التأويل يوافق ما في التنزيل حيث قال تعالي: {يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى} الآية فجعل عين الذهب والفضة هي المحمى عليها في نار جهنم.
قوله: ((فأحمى عليها)) ((الكشاف)): فإن قلت: ما معنى قوله: ((يحمى عليها في نار جهنم)) وهلا قيل: يحمى، من قولك حمى الميسم وأحميته، ولا تقول: أحميت علي الحديد؟ قلت: معناه أن النار تحمى عليها، أي توقد ذات حمى وحر شديد، من قوله: ((نار حامية)). ولو قيل: يوم يحمى عليها لم يعط هذا المعنى. وذكر ((يحمى)) لأنه مسند إلي الجار والمجرور. وأصله: يوم تحمى النار عليها، فانتقل الإسناد عن النار إلي ((عليها)). ((تو)): المعنى: أن تلك الصفائح النارية تحمى مرة ثإنية إلي نار جهنم ليزيد حرها ولهبها ويشتد إحراقها.
((قض)): خص هذه الأعضاء - أعني الجنب، والجبين، والظهر - لأنه جمع المال، وأمسكه، ولم يصرفه في مصارفه، ليحصل به وجاهة عند الناس، وترفه وتنعم في المطاعم والملابس، فيحوى جنبه وظهره المأكولات الهنية اللذيذة، فينتفخ ويقوى منها، وتحويها الثياب الفاخرة والملابس الناعمة، فيلتذ جنباه بها، أو لأنه ازور عن الفقير في المجلس، وأعرض عنه، وولي ظهره، أو إلي أشرف الأعضاء الظاهرة لاشتمالها علي الأعضاء الرئيسية التي هي الدماغ، والقلب، والكبد، وقيل: المراد بها الجهات الأربع التي هي مقاديم البدن، وما آخره، وجنبتاه. ((كلما ردت أعيدت له)) معناه دوام التعذيب، واستمرار شدة الحرارة في تلك الصفائح استمرارها في حديدة محماة ترد إلي الكير وتخرج منها ساعة فساعة.
قوله: ((فيرى سبيله)) الضمير المرفوع فيه قائم مقام الفاعل، و ((سبيله)) ثإني مفعوليه. ((مح)): ضبطناه بضم الياء وفتحها، وبرفع لام ((سبيله)) ونصبها. فيه إشارة إلي أنه مسلوب الاختيار يومئذ مقهور، لا يقدر أن يروح إلي النار فضلا عن الجنة، حتى يعين له أحد السبيلين.
قوله: ((فالإبل)) الفاء متصل بمحذوف، أي عرفنا حكم النقدين، فما حكم الإبل؟ وقوله: ((ولا صاحب إبل)) عطف علي قوله: ((ما من صاحب ذهب)). قوله: ((من حقها حلبها)) ((مح)): هو بفتح اللام علي اللغة المشهورة، وحكى إسكانها، وهو غريب ضعيف وإن كان هو القياس.

الصفحة 1471