كتاب شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (اسم الجزء: 5)

ومِنْ حقِها حَلبُها يومَ وِرْدِها، إِلا إذا كانَ يومُ القيامةِ بُطحَ لها بقاعٍ قَرْقرٍ. أوْفر ما كانت لا يفقِدُ منها فصيلاً واحداً، تطؤهُ بأخفافِها، وتعَضَّه بأفواهها، كلما مرَّ علَيه أولاها رُدَّ عليه أخْراها في يومٍ كانَ مقدارهُ خمسينَ ألف سنةٍ، حتى يُقضى بينَ العبادِ؛ فيَرى سبيلَه: إِمَّا إِلي الجنَّةِ وإِما إلي النار)). قيلَ: يا رسول اللهِ! فالبَقرُ والغَنمُ؟ قال:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أقول: ((من)) للتبعيض، أي بعض حقها حلبها، وحقها الأول أعم من الثاني، وذكر الثاني للاستطراد، والوعيد مرتب علي الأول. ويحتمل عليهما معاً تغليظاً. قيل: معنى حلبها يوم ورودها: أن يسقى ألبانها المارة، ومن ينتاب المياه من أبناء السبيل. وهذا مثل نهيه عن الجداد بالليل، أراد أن يصرم بالنهار ليحضرها الفقراء، وذوو الحاجة.
قوله: ((بطح لها)) ((تو)): وفي بعض النسخ ((له)) بالتذكير، وهو خطأ رواية ومعنى؛ لأن الضمير المرفوع في الفعل لصاحب الإبل، والمجرور للإبل ليستقيم؛ لأن المبطوح المالك، لا الإبل، أقول: أما التمسك بالرواية فمستقيم، وأما بالمعنى فلا، لم لا يجوز أن يذكر الضمير لإرادة الجنس وللتأويل المذكور وأنشد ابن الجنبي: مثل الفراخ تنفث حواصله. علي أنه لا يجوز أن يرجع الضمير إلي صاحب الإبل بكون الجار والمجرور قائماً مقام الفاعل، كما في قوله تعالي: {يسبح له فيها بالغدو والآصال}؟ بطح: ألقى علي وجهه. القاع، والقيع: الصحراء الواسعة السمتوية. والقرقر: المكان المستوى، وهو صفة مؤكدة.
قوله: ((أوفر)) ((حس)): يريد كمال حال الإبل التي تطأ صاحبها في القوة والسمن لتكون أثقل لوطئها. أقول: ((أوفر)) مضاف إلي ((ما)) المصدرية، والوقت مقدر، وهو منصوب علي الحال من المجرور إن كان الضمير المجرور للإبل، وجوز وقوعه حالاً، ولا يمنعها إضافته إلي المعرفة؛ لأن الإضافة فيه غير محضة، بدليل قولهم: مررت برجل أفضل الناس، وإن كان لصاحب الإبل فهو خبر مبتدأ محذوف علي الاستئناف. وقوله: ((لا يقعد)) أيضًا حال، إما مترادفة إن كان صاحب الحال الضمير في ((بطح))، أو متداخلة إن كان صاحب محال الضمير المستتر في ((كانت)) التامة الراجع إلي الإبل؛ لوجود الضمير في ((منها)) ..
وقوله: (تطؤه)) أيضًا حال مترادفة ومتداخلة علي التقديرين؛ لوجود ضمير المذكر والمؤنث. ويجوز أن يكون استئنافاً، كأنه لما قيل: بطح صاحب الإبل لإبله حال كونها قوية تامة، مع جميع فضلاتها، غير فاقدة منها شيئاً - اتجه لسائل أن يقول: لم بطح لها؟ أجيب: لتطأه إلي آخره. وعلي هذا حكم ((كلما)) في الحالية والاستئنافية، أي تطؤه دائماً. قالوا: المناسب أن يقدم ((أخراها)) علي ((أولاها)) كما عليه رواية مسلم ((كلما مضى عليه أخراها رد عليه أولاها)).

الصفحة 1472