كتاب شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (اسم الجزء: 5)

احتَبس أدراعَه وأعتُدَه في سبيلِ الله، وأمَّا العبَّاسُ فهي علي َّومثلُها معَها)). ثمَّ قال: ((يا عمرُ! أمَا شعْرتَ أنَّ عم الرَّجلِ صنْوُ أبيه)) متفق عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فتطلبون الزكاة منها، أو هو يتطوع باحتباس الأدراع والأعتد في سبيل الله، فكيف يمنع الزكاة التي هي من فرائض الله المؤكدة؟ فلعلكم تظلمونه، فتطلبون منه أكثر مما هو عليه، فيمتنع عن الإجابة. والأعتد: جمع قلة للعتاد، وهو ما أعده الرجل من السلاح، والدواب، وآلة الحروب، والجمع علي أعتدة أيضًا.
قوله: ((فهي علي ومثلها معها)) أولوه بأنه صلى الله عليه وسلم استسلف منه صدقة عامين: العام الذي شكا فيه العامل، والعام الذي بعده. فهي صدقة السنة الذاهبة، ومثلها صدقة السنة القابلة. وقيل: استمهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وأخر زكاة ذلك العام والقابل، وتكفل بصدقة العامين جميعاً، ويعضده ما في جامع الأصول: أنه صلى الله عليه وسلم ((أوجبها عليه، وضمنه إياها، ولم يقبضها، وكانت ديناً علي العباس؛ لأنه رأي به حاجة)).
قوله: ((صنو أبيه)) أي مثله، يقال لنخيل خرجت من أصل واحد: صنوان، واحدها صنو. أقول: هذا ما عليه كلام الشارحين، والذي يقتضيه علم المعإني والبيان هو أن الفقرات الثلاث مخرجة علي خلاف مقتضى الظاهر، أما الأولي: ففيها إظهار غضب لرسول الله صلى الله عليه وسلم علي المزكى، والأخيران فيهما إظهار غضبه علي المصدق للمزكى. أما بيان الأول، فإن قوله: ((ما ينقم ابن جميل)) إلي آخره من باب تأكيد الذم بما يشبه المدح، أي لا يكفر نعمة من نعم الإسلام بشيء من الأشياء إلا بأن أغناه الله ورسوله بعد فقرة، فهذا موجب للشكر، فعكس وجعلها موجبة للكفران فيستحق كل الذم، وفي ضده قول ابن الرقيات:
ما نقموا من بني أمية إلا ... أنهم يحلمون إن غضبوا
وأما بيان الثانية: فإن قوله: ((فإنكم تظلمون خالداً)) من باب وضع المظهر موضع المضمر إشعاراً بالعلية؛ فإن ((خالداً)) هنا تضمن معنى الشجاعة تضمن حاتم الجود، كأنه قيل: تتهمون شجاعاً بإسلامه، والحال أنه حبس ومنع أن يستعمل أدراعه وأعتده إلا في سبيل الله، فمثله لا يتهم بمنع الزكاة؛ فإن الشجاعة والبخل لا يجتمعان في نفس حرة.
وأما الثالثة: فإن قوله: ((علي ومثلها)) يدل علي الغضب، يعني أنا أتكفل عنه ما عليه مع الزيادة؛ ولذلك أتبعه بقوله: ((يا عمر! أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه)) يعني أما تنبهت أنه عمي وأبي، فكيف تتهمه بما ينافي حاله لعل له عذراً وأنت تلوم.
وقوله: ((قد احتبسها في سبيل الله)) دل بكنايته وعبارة النص علي أنه دائم المجاهدة في سبيل الله، ولعمري! إن امره وشأنه كان مستمراً عليها؛ فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم لم يزل في حياته

الصفحة 1477